أقلام حرة

نسمع ولا نصغي!!

sadiq alsamaraiالمحنة المعاصرة العاصفة في الدنيا تتلخص بسيادة السمع على الإصغاء، بمعنى أن ما نسمعه من بعضنا البعض لا يتجاوز الأذنين، بل ربما لا يطرقها أو يدخل في دهاليزها، ولا يلامس طبلة الأذن إلا فيما قل وندر.

وتلك معضلة خطيرة ستأخذنا إلى حيث لا تحمد عقباه، فالبشر ما عاد قادرا على الإصغاء للبشر، وكل فرد يريد سماع ما يتلجلج فيه من الأفكار والتطلعات، ويأبى أن يتصور أو يتخيل أو يقبل غير ذلك، وهذا يحصل على مستوى الأفراد والجماعات والشعوب والأمم، وما بين المعتقدات والأحزاب والفئات والمذاهب.

ولهذا تجد المجتمعات تعاني من التداعيات، لأن الذين يديرون أمورها لا يصغون لبعضهم، ولا لشعوبهم، وإنما يتحركون كالدمى أو الروبوتات التي تم برمجتها لإنجاز هذه المهمة أو تلك.

وقد غلب على الواقع القائم ما هو متقاطع مع الحياة والقوة والقدرة على التطور والنماء، والتفاعل الحي مع المستجدات الحاصلة والمتبدلة في الواقع البشري المعاصر.

فلماذا لا نصغي لبعضنا؟!

يبدو أن الدماغ لديه قدرة تمترسية عالية تحققها الفكرة المهيمنة على تواصلاته ودوائره العُصيبية، فما أن تعصف فيه فكرة فأنها تتخذه خندقا أو موضعا للدفاع والتقاتل حتى تكون وتتأسد، وتحقق ما تحتويه من الطاقات التعبيرية والتوجهات التخليقية، والتأثيرات الصيروراتية التي تتميز بالأنانية والإقصائية والإنزوائية المطلقة.

أي أن الفكرة تستعبد الأدمغة وتأسرها وتسخرها لما تريده وحسب، فتغلق جميع المنافذ التي تسمح بمرور غيرها إلى الدماغ بل وتقتل ما يأتي إليها، ذلك أن الأفكار تتصارع بدموية وعدوانية هائلة، وبإستخدامها للبشر فأنها تقضي على الآلاف والملايين دون إكتراث، ما دامت مسيرتها ستؤدي إلى تحققها وهيمنتها على مزيد من الأدمغة.

وبهذا تجد ذوي الأحزاب والمذاهب والمواقف في حالة تنافرية وتصارعية دامية تكلفهم الخسائر الكبيرة، فلا يتفاعلون إلا بما تمليه عليهم الفكرة المستحوذة على أدمغتهم، وبسبب ذلك تحصل الحروب التي تستهلك وقتا وجهدا وأرواحا لتصل إلى حالة القبول بالتفاعل العقلي والسماح بالإصغاء للآخر، وهكذا وعلى مر العصور تجد البشر يتقاتل لكي يجلس على طاولة التفاوضات والتوافقات، وما يجري اليوم يقع ضمن هذا السلوك الذي تواصلت على تكراره البشرية بما لا يُحصى من المرات.

ولكي تشفى من هذا الإضطراب أو المتلازمة السلوكية، عليها أن تربي أجيالها على أساليب ومهارات الإصغاء للآخر القريب والبعيد، وتسخير الأدمغة للتواصل لا للتعاضل والإرتهان بإرادة فكرة دون أخرى، وإنما لا بد من الوعي الأكبر والتعبير عن إرادة يتفكرون ويتعقلون.

فهل لنا أن نصغيَ لبعضنا، أمِ الآذانُ وِقرُ؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم