أقلام حرة

لماذا استعجلت الرحيل يا رزق!

shaker faredhasan2حمل الي الناعي النبأ المؤسف الموجع بوفاة صديقي وخالي ورفيقي وزميلي في ميدان الكتابة والأدب، المأسوف عليه رزق عبد القادر اغبارية، وهو في قمة وأوج عطائه، اثر حادث دهس مروع  في ام الفحم .

لقد غادر رزق هذه الحياة مبكراً، وبرحيله لم يترجل عن حصانه العربي الأصيل، وانما امتطى حصان الخلود والبقاء .

فيا أيها القمري الجميل الثائر على كل المسلمات والتقاليد والاعراف الاجتماعية، ايتها السريسة الفحماوية التي تجذرت في أعماقنا وسمت في وجداننا الى الأعلى، لماذا تركتنا على عجل دون أن تقول وداعاً؟

لماذا غافلتنا وغافلت اللحظة، وغادرتنا بلا انذار؟

لماذا حرمتنا من قلمك الذهبي الراقي؟

رزق عبد القادر اغبارية يمثل نموذجاً للانسان في قلب الانسان، ويجسد المبدع صاحب الاحساس المرهف واليراع الحر الجميل، الذي لا يعرف التملق ولا المداهنة .

ارتبط رزق بعشق خاص للوطن وام الفحم ومدن الساحل الفلسطيني، وكان لحناً يتعاطف مع كل  المظلومين والمقهورين والمسحوقين .

كان انسانا عفيفاً  صادقاً في زمن الكذب، وفياً في عصر اللاوفاء ونكران الجميل، خلوقاً في زمن التلون، شامخاً كشموخ جبال الروحة .

كان رزق أنيقاً كعادته، رافعاً رأسه بكل كبرياء، وبصوته الكنعاني، ونبراته الخاصة، وبحركات يديه، ووجهه النبيل الطيب، ويراعه الجميل، واسلوبه الأدبي المؤثر المنساب، كتب قصيدته، وفتح قلبه وتألقت عيناه واطلق وجدانياته، وغزل همساته، ونسج حروف نصوصه، بكل ما يملك من احساس انساني، ومن اشواق ، وقد رسم بالكلمات بحر العشق الكبير، وبحر اوليس القلسطيني الذي سيعود يوماً الى عكا وحيفا ويافا وبييسان وقيساريا واللد والرملة وعسقلان واسدود .

رزق عبد القادر اغبارية مثقف، تسلح بالثقافة والأدب والتراث، وآمن بالكلمة النظيفة ودورها التعبوي، وتحولت هذه الكلمة بين يديه قارورة عطر، وعناقيد حب، وسنابل فرح، وغدت الجملة بين لمساته رقة أنثى ومرجلاً يغلي ..!!

برحيلك أيها الجميل البهي تفقد الابجدية رونقها واناقة حروفها وسحر تعابيرها وجمال كلماتها ، وتتشوه آنسات القوافي وعرائس البيان وعذارى القوافي .

فمن سيزرع الفرح في قلوبنا العاشقة الهائمة يا رزق، ومن سيبث الأمل والتفاؤل في أعماقنا يا شاعر القوافي والاحساس والسجع والقصيدة العشقية الرائعة الخالدة؟

نعاتبك ايها الرزق، يا من سنفتقده في كل مآسي وأحزان شعبنا، وفي كفاحاتنا ونضالاتتا ومناسباتنا الوطنية والاجتماعية القادمة، وفي أفراحنا وأتراحنا التي يخبئها الغد والقدر .

رحيلك أيها الغالي ثكل القلم، وأحزن القلب، وجعل المأقي تجف دمعاً، والقصيدة يتماً، فتأجج الاسى في صدورنا، وخسرنا الحلم والخلق المزكى ..!

فقبلة على جبينك بالدفء نفسه الذي كتبت فيه نصوصك الشعرية والنثرية وتقاريرك الصحفية .

وداعاً يا خال، يا من كانت حياته القصيرة حياة انسانية متزهدة وقنوعة، وغنية حقاً، فكراً وعطاءً وممارسة وحساً انسانياً وذوقاً ولطافة وخلقاً وقيماً راسخة وثابتة .

وداعاً يا رزق أيها الحبيب الراحل عنا الباقي في وجداننا الى الأبد . فقد استعجلت الرحيل ..!

نم قرير العين هادىء البال، ولروحك الطاهرة  الرحمة .

 

بقلم : شاكر فريد حسن

 

 

في المثقف اليوم