أقلام حرة

العرف والسلطة يتربصان حرية الفرد بنظرة متخلفة

قد ينتهك أحدهم حريتك بأسلوب وحشي وسادي، وقد يفعلها وينتزع تلك الحرية بأسلوب مؤدب، وقتذاك حينما كُنتُ أزاول الدرس الأكاديمي في المدارس الحكومية بقى في خاطري أجزاء من تلك المشاهد التي كان فيها مدير المدرسة يُعذب طلابه أصحاب الشعر الطويل والمصفف بطريقة جذابة، يعذبهم نفسياً في صباح الدوام الباكر طالباً منهم تغيير شكل القَصّة إلى شكل أخر، غير مُبالٍ اذا كانت أنفسهم ترتضي القَصّة التي يهواها ذوقه أم لا.

كان ذلك مشهداً قاسياً ترى فيه كيف السلطة مع حجمها النحيف المتمثل بكرسي إدارة ثانوية تسلب حرية الفرد الأعزل، والأن ليس من شأني خوض جدال حول قصات الشعر والمناقشة في السؤال القائل هل مجاراة صيحات الموضة الحديثة أمرٌ مقبولٌ أو العكس، ليس من شأني ما عدا الكشف عن أننا نعيش الظلامات الصغيرة والكبيرة، من عند السلطة صغيرها وكبيرها، فـ مدير الثانوية حينذاك كان جالساً على كرسي السلطة الصغيرة لكنهُ سرق من أفراد الشعب المخول بخدمتهم أكبر ما قد يملكونه، حرية الاختيار.

مضت الأيام وزججت بنفسي داخل اروقة الحوزة، تلك الحاضنة العلمية التي تكتسحها الكثير من الثغرات بفعل إيمانها بنمط حياة أكل عليه الدهر وشرب.

 تكرر الموقف امامي لكن بشكل يدعو للسخف أكثر، أيضا وأيضا كان الطرف المُمثل للسلطة مديراً لمدرسة وكان الطرف المغبون طالباً للعلم من الشعب خالي الوفاض والمقدرة على الصد والرد، حذو النعل بالنعل طلب المدير بكل خساسة من احد طلاب العلم تشذيب شعره والسبب :

- أخي العزيز قصة شعرك لا تناسب نمط العرف الحوزي المعروف. تعلل المدير بسبب أعزاه للنمط الحوزوي، هذا الأخير المتهالك والمشحون بالتعقيد، النمط المسيء للفطرة، تُنهب الكثير من الحريات بسبب هذا العرف الجاهلي، ويؤصل بأسمه لمصادرة الحريات من العامة وهي سارية على أبناء القلعة السذج قَبلاً.

 بيد أنّ هناك ما هو لافت ويُعد علامة فارقة بين مدير المدرسة الاكاديمية وشقيقهُ في الصِفة مدير المدرسة الحوزوية أذ أن الاول كان يأمر بصلافة ووقاحة خلاف الثاني الذي كان يوجه الأمر لكن بلين وميوعة، ذلك الذي بتقديري لا يعدو سوى نفاقاً مبطناً تمرس المدير الحوزوي وأقرانه على فعله.

من صلب الحديث أقول، يجدر بالحكومات العازمة على تطبيق الديمقراطية تلقين موظفيها أداب التعامل مع من يخدمون، وتحديد صلاحيتهم في تقديم الاوامر والنواهي قبل أن يتم تعليمهم آلية الإنضباط في مؤسسات الحكومة الخادمة، وينبغي أن تسري أخلاقيات الدولة الديقراطية حتى تصبح نافذة في المؤسسات الداخلة ضمن أطار أرض الدولة جميعاً بصرف النظر عن العناوين.

نعلم جميعاً أنّ الأعراف والعادات العرجاء مشفوعة بالتعقيدات النفسية هي الطاغية على مزاج أغلب موظفي الحكومة ما يجعل غالبيتهم غير مؤهلين لدخول معترك التعامل اليومي مع الناس وخدمتهم بمرح وبشاشة وجه، هذه المشكلة تُدشن لمجتمع محتقن معتاز للأخلاق ومُفتقد لسليقة التعايش بوفاق ومحبة، الذي يُوَجّب على الحكومة النظر في مسألة التأسيس لجيش من المُربين لزجهم في كافة أروقة المؤسسات القريبة من الجمهور العام، مُربين أكفاء وفارغين من مرض التكلف يعملون على تلقين الموظف سواء كان في الرتبة الوظيفية السامية أم كان يقبع في الرتبة الدانية، يعملون على تلقينه النقاط الواضحة للجميع، ما طبيعة واجباته في هذا المنصب الوظيفي وما الذي من حقه القيام به من غير ذلك. ثم كيف ينبغي أن يمارس وظيفته بنزاهة ومن دون تقصير، وأخيراً كيف من واجبه ملاقاة الناس وتنفيذ متطلباته وكيف أنّ الأخلاق ركناً من اركان العمل الوظيفي الذي لا ينبغي أنّ يتهاون فيه.

 

الكاتب: احمد القره غولي

 

 

في المثقف اليوم