أقلام حرة

مجتمعنا.. إلى أين؟

shakir alsaediكانت مدينتي ذات تنوع قومي وديني ومذهبي فهي مركز لجميع القوميات والأديان، هناك الصابئة المندائيون واليهود والمسلمين بجميع فرقهم والأرمن والأكراد والعرب والإيرانيون الذين نزحوا من الأهواز ودزفول طلبا للعيش فيها، حتى أنها ضمت مقبرة رفات الانكليز والهنود الواقعة في - بستان جاني - عندما دخلت قوات الاحتلال البريطاني المدينة عام1914  .

لقد تبخر هذا التنوع الجميل وهاجر من هاجر منهم خارج العراق ومن أجبر على التهجير والنزوح من دياره بسبب التطرف القومي والديني والمذهبي الذي عاشه العراق منذ عام 1968 حتى ألان .. اليوم في عصر الانترنت تغير كل شيء في بلدي .. رجل في الخمسين يراهق، وشاب في العشرين يلحد، وشابة متسولة نازحة تبكي من ظلم داعش، والبعض من الأصدقاء ينصحني بعدم الوفاء لان الجميع يريدني حسب حاجتهم .. إما إنا أتمنى إن أموت قبل الوصول إلى نقطة التفتيش مثلما مات صديقي وهو نائم في هدوء وسلام على العكس من ركاب الحافلة التي كان يقودها سائق متهور وهم يصرخون من الرعب، لأني سوف أرى قناني الخمر يلقى القبض عليها في السيطرة الحكومية بينما الحبوب المخدرة تعبر الحدود الدولية لتباع على الشباب في الأسواق المحلية .

هكذا تسير عجلة الحياة بنا من حزن إلى حزن ومن حرب إلى حرب بعد إن تحولت السياسة إلى تجارة، والدين إلى حزن وبكاء على الماضي، والتنمية والبناء إلى فساد مالي، والانكفاء على الذات والانقياد الأعمى إلى بعض رجال الدين عبادة.

 ونحن نرى الظلم والجور يستعر في أوساط المجتمع ويهدد النسيج الاجتماعي بالسقوط والدمار، والحاكمين يدوسون حقوق عموم الناس بأرجلهم وينهبون أموال الشعب بكل ما لهم من قوة، وقادة الدين في بلدي انبح صوتهم من كثرة الكلام والوعظ والإرشاد، لأنهم يعدون الظلم والفساد ذنبا لا يغتفر، والإنسان خلق اجتماعيا بطبعه وتربيته العائلية والمجتمعية .

في أيامنا هذه المواطن العراقي مشغول بالطقوس الدينية.......... فالدين الذي لا علاقة له بالكتب السماوية إنما هو مجرد أداء طقوس متعارف عليها بين أفراد المذهب الواحد تتقبلها الأكثرية المطلقة منهم بكافة سلبياتها وايجابياتها حتى الذين يأخذون الرشوة من الآخرين لا يهمهم دخول النار التي وعد الله بها المرتشين لان المهم عندهم أداء الصلوات الخمسة سواء كانت مقبولة من الله أو غير مقبولة، لكن في الحقيقة إن ما يميز المجتمع الشيعي خصوصاً عن بقية المجتمعات الإسلامية هو أن أجيال المجتمع الشيعي قد تربت وكبرت مع حادثة عاشوراء، المهم عندهم البكاء واللطم وبقية الشعائر المتداولة وهم يسيرون من محافظات الوسط والجنوب إلى كربلاء الحسين سيرا على الإقدام ما دام هو يأكل ويشرب وينام مجانا ويذهب عند الانتخابات البرلمانية والمحلية لينتخب السياسي المتأسلم من أبناء جلدته لأنهم شجعوهم على هكذا طقوس ورفعوا معنوياتهم الدينية الهشة غير أبهين بما سرقه هؤلاء من أموال  .. أما // لقمة العيش// جعلت أفراد المجتمع يعانون من مشاعر الخوف واليأس والقلق والغربة، وهي ما يفكر بها الجميع بعيداً عن السياسة سواء جاءت بالحلال أو الحرام المهم أن يقوم رب الأسرة بتربية أطفاله ومن ثم الذهاب إلى بيت الله ليغفر الله ذنوبه كما يعتقد وهو لا يعرف إن الدين يحكم العقل والقلب والعواطف الدينية تقلل من طموحات الإنسان المادية وتجعل بينه وبين الرذائل سدا منيعا .. // والأعراف القبلية// اليوم أكثر تأثيرا من مفعول الدين على المجتمع العراقي فهي :تجمع أبناء القبيلة الواحدة على الشر أولا ثم الخير أن وجد وتؤصل فيهم الغلو والإفراط والتفريط بحقوق الآخرين والتمرد على الدولة التي تطلق النار فوق الرؤوس عند حدوث نزاعات عشائرية بعد أن ترسل قوات رمزية لحل تلك النزاعات المتجذره في نفوس وعقول بعض شيوخ العشائر من الأميين والمتخلفين ثقافيا واجتماعيا وكما قال الكاتب والصحفي البريطاني روبرت فيسك- 1946 - (لماذا تبدو بيوت العرب غاية في النظافة لكن شوارعهم والأماكن العامة تملؤها القاذورات، هذا الأمر في غاية الدقة .. والسبب أن العرب يشعرون أنهم يملكون منازلهم ولكنهم لا يملكون أوطانهم). وأخيرا على الإنسان أن ينسى ماضيه بكل سلبياته ويعيش الحاضر ويتطلع إلى المستقبل ويتحرر من القيود كلها سواء كانت تلك القيود اجتماعية أو سياسية أو دينية.

 

شاكر عبد موسى الساعدي/العراق/ميسان

 

 

في المثقف اليوم