أقلام حرة

الدين والدنيا!!

sadiq alsamaraiهذه جدلية صعبة أمضت البشرية مسيرتها في تصارعات وتجاذبات ما بين طرفيها، فالبشر في الدنيا، والبشر في الدين الذي يأخذه إلى ما بعد الدنيا، إلى حيث الغيب والتصورات المدوّنة في المخطوطات والكتب السماوية، والتي تشترك جميعها بأوصاف جنات النعيم.

وفي معظمها هناك ثنائية الجنة والنار والخير والشر، والكفر والإيمان، والصدق والكذب، والعدل والظلم، والرحمة والقسوة، وغيرها من الثنائيات التي لا تحصى ولا تُعد.

والمعضلة الكبرى أن البشر في الدنيا والدين في الدنيا، والبشر يريد الدنيا ويطمع بها ويحبها حبا جما، والدين يريده لغير الدنيا ويكرّهه بمباهجها ويذكّره بنهايته الحتمية، وهذه آلية تصارعية واعية وغير واعية تعتمل في دياجير الأعماق البشرية وتتسبب بسلوكيات وتداعيات ذات نتائج محيّرة.

وأكثر البشر مهما بلغت درجة إيمانه وتدينه فأن فيه حب عارم للدنيا، وتفاعل لذيذ معها يجعله يوظف ما يستطيعه من الدين لخدمة الدنيا، أو لتحقيق ما فيه في الدنيا التي هو فيها، ولهذا فأن القادة الذين جاهدوا لإرساء دعائم الدين بجوهره الإنساني التعففي أصابتهم العزلة وإنفض الجميع من حولهم، وفي التأريخ الأمر واضح، كما جرى مع الخلفاء عمر وعلي وعمر بن عبد العزيز.

ووفقا لما جاء في كتاب عبقرية علي لعباس محمود العقاد أن عقيلا شقيق علي فر منه، عندما رآه يعطيه كما يعطي غيره من الناس فذهب إلى معاوية وهو يقول: " أن أخي خيرٌ لي في ديني ومعاوية خيرٌ لي في دنياي"!!

وهذا يوضح طبيعة السلوك البشري، وأن ليس من السهل إنتصار الدين على الدنيا، وأن البشر دنيوي الطباع، ويحاول أن يكون ديني المتاع، ولكن بعد أن يقضي وطره من الدنيا ويتمتع بما يستطيعه منها، أما الحرمان فأنه يدفع إلى فنتازيا الدين وأحلام ما بعد الحياة، والإتجاه نحو تسفيه قيمتها وما ينجزه الدنيوي فيها، وهذا السلوك صار خطيرا لأنه يساهم في تحشيد وضغط المشاعر والعواطف المناهضة لما هو دنيوي، والعمل الأهوج الفتاك نحو ما هو ديني أو ما بعد الدنيوي.

ولذلك فأن الصراع القائم ما بين الدينية والدنيوية رغم طبيعته الأزلية لكنه إتخذ مسارات خطيرة في الزمن المعاصر، لسهولة توفر الوسائل الفعالة للتعبير عن الهواجس الدينية المناهضة للدنيوية، ووفقا لهذا الإقتراب يمكن تفسير السلوك العنيف الجارف الذي يعصف في أرجاء الدينا والذي يتوشح بالدينية، أيا كان أصلها ومعتقدها، مما سيتسبب بمتواليات هندسية من التداعيات التي ربما ستأخذ البشرية إلى مهاوي سقر.

وبسبب الطبع البشري البقائي والتنافسي يكون من العسير تحقيق حالة التوازن المثلى ما بين الدينية والدنيوية، ولو أن بعض الأديان قد طعّمت الدينية بلذائذ دنيوية، خصوصا فيما يتعلق بالتصرف بالنساء والغنائم ومنحتها توصيفات متوافقة مع الدينية، أما بفتاوى أو تشريعات، لكي تديم التفاعل الديني الدنيوي وكأنها تضع قدميها في مكانين، أو تشطر عقيدتها إلى نصفين، مع مخاطر الغلو في الإتجاهين، فينجم عن ذلك ديمومة تنازعية ومسيرة تصارعية قد تعيد بعض التوازن، لكنها تمضي متخفية أو علنية بين آونة وأخرى، وهلم جرا.

ويبدو أن الوجود البشري سيتواصل في هذا المعترك الإحتدامي إلى الأبد، حتى يتحقق إدراك أن الدنيا دين أو الدين دنيا وأن الذي يأتي يكون متوافقا مع الذي يكون، وهذا ما لا يمكن للبشر أن يُدركه ويفوز بوعيه!!

فهل من توازان وإتزان وميزان؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم