أقلام حرة

المواطنة في صراعات الشمولية ما بين الجغرافية والدين والمخاضات السياسية !

yasin alrazukهل المواطنة هي "مواطنة الدين" كي يهاجر من أجله المهاجرون إلى كل أصقاع الأرض وكي يخوضوا من أجله الحروب في كلِّ بقعة من بقاعها ؟!! وجوابنا لا لأنَّ مفهوم "مواطنة الدين" سقط سقوطاً مدوياً والدليل اقتتال المسلمين والمؤمنين أنفسهم لنصرة بعضهم على بعض وهم من نفس الدين وهذا ما يطرح مفهوم "المواطنة السياسية الدينية " الذي لن يقتصر على الدين فحسب بل سينسحب على الاتجاهات والأحلاف السياسية والمصالحية والاقتصادية وهذا ما يسقط مفهوم المواطنة الدينية سقوطاً مدوياً إذا ما عزلناها عن المنحى السياسي

(قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)([سورة التوبة: 24]) (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا)(سورة النساء : 97)

نتساءل من جديد هل في هذا النص الديني القرآني ما يجعل الأديان عابرة للأوطان الجغرافية أم ما يجعل الأوطان مراكز حدودية لنصرة الدين وأبنائه أينما كان معتنقوه وهنا الهوية تنشأ بالاعتناق ولا تدوم بالانتماء بما يجعلنا نتساءل كثيراً ما الفرق بين اعتناق دينٍ أسَّس لجغرافية معينة وبين الانتماء لجغرافية معينة  بغض النظر عن أيِّ دين وهل الهوية هي حالة ترابطية تعلن بالديانة أم أنها كيان منفصل يتحد صاحبه بالانتماء وهل الظلم دافع للتخلي عن الهوية في سبيل الانتصار للاعتناق على مبدأ أنَّ الفقر في الوطن غربة والغنى  في الغربة وطن أم أنه دافع لترسيخ الانتماء ولو من بعيد بدلاً من اجتثاث الانتماء بمنطق القوة والقوة المضادة ولماذا ينتصر الاعتناق المذهبي بين إيران والسعودية وحتى تركيا في صراع نفوذ واضح لم يظهر في القدس مثلاً؟!

و الوطن من منظور المؤمنين بالأوطان الدينية  هو الوطن الذي يخلص به المؤمنون كما يدَّعون الدين ولو كره الكافرون في نظرهم وهل الكافرون هنا هم من يغتصبون بلدانهم الجغرافية  أم هم من يشاركونهم الأوطان لكن ليس تحت راية الدين بل وفي لغة الاقتتال الحالي ليس تحت راية المذهب الإسلامي نفسه وكأن لغة المواطنة باتت لغة تخصصية أو اختصاصية بل تحت راية جغرافية الانتماء الشمولية  التي لا تتخصص بدينٍ أو طائفة أو عرقٍ أو مذهب أو عشيرة؟!

سؤالٌ يسقط به المسلمون وهم الذين انتصروا لأردوغان عندما ادعى الانتصار للخطوط الحمراء في حمص وحماة ولم ينتصر الكثير منهم لإيران مثلاً أو حتى للقدس متجاوزين كلَّ الحدود الجغرافية مسقطين الانتماء للأرض بمعنى أرض الولادة والمنشأ غير دارين أنَّ الأرض كالنسب لا تسقط بالتقادم هذا إذا ما كان النسب رافعة المنتسبين في جعل الأرض هوية سكنٍ يبقى أينما هبت رياح الهجرة في كلِّ السبل لا بقعة نشوءٍ عابرة وهذا ما كان عرضة لاستفهامات كثيرة بعد سقوط مفاهيم بناء الدولة والمجتمع وظهور عدم رسوخ أو ترسيخ الانتماء  في بداية ما يسمونها ثورةً في سورية وما الثورة إلا مفهوم يتناحر في شموليته مع الدين نفسه الذي يريد طغيان شموليته وانسحابها حتى على المواطنة والمواطنين ليجعل من الجزية باباً من أبواب الانتماء القاصر الذي يشرعن  الخوف والأحقاد والتربص والنفاق على كلِّ الأصعدة بعد سقوط شمولية الجغرافية لصالح شمولية الدين لأن مواطنة المسلمين  أو المذهبيين  تغدو في منحى الأحقية بالأرض ومكتسباتها بينما تسقط أحقية الاندماج لغير المسلمين أو المتمذهبين بمذهبٍ غالب يظهر على أشده في محاور تسخرُ الدين لنصرة المشروع السياسي الذي يناسبها وتحارب سواه بالدين نفسه الذي ما زال حصان طروادة في منطقتنا الفكرية والجغرافية للأسف التي لن تخرج إلى الانتماء إلا بخلاصها من عقدة الاعتناق المقدس !!

 

بقلم الكاتب المهندس: ياسين الرزوق زيوس

 

 

في المثقف اليوم