أقلام حرة

تبادل الدلالة بين حياة الشاعر وحياة شخوصه في مجموعة: حقول الجسد " للشاعر علي عجمي

qasim madiكيف ننتج نصوصا ً شعرية فيها من المرونة ولها قابلية الإندماج والتفاعل، وهي قاعدة تمثل تلك العملية الفنية حسب رأي النقاد، والتي تكون منحدرة من صلب تجربة الشاعر التي عاشها وأثرها عمقاً ومجالاً في مجاله الإبداعي الذي يصبو إليه، وهذه القصائد التي يكتبها لا تبعد في روحها ورائحتها عما يدور في واقعنا المعاش من منغصات وهموم، وألم، وحزن تحت وآبل الحياة، التي قللت من مكانة الشعراء في زمن التحضر المزعوم

 فلم يعد الناس في وقتنا الحالي يخشون لسانه كما هو الأمر في مجتمع البداوة، ولكن يظل الشعراء هم الذين يتواصلون مع المجتمعات منطلقين من إن الشعر تعبير عن حالة نفسية يعيشها الشاعر، واذا كانت قصائد الشاعر تظهر تحت تأثير المفاهيم التي يستقيها من البيئة .   

 أليس ألشعراء آمراء الكلام، فهم يقصرون، ويمدون المقصور، ويقدمون ويؤخرون، ويؤثرون ويثيرون، ويختلسون ويعيرون ويستعيرون، وبالتالي عزيزي القارئ إن الشعر يستمد قوته من ذاته، أي عما دار في أرض الواقع الذي نستل منه مادتنا، وهل الشاعر العربي الذي يعيش بين مجاّليه عليه أن يكون واقعيا وتكون الواقعية هي هاجسه الذي يحاول فيه ويغرق في تفاصيله حتى يتسنى له أن يبدع شعرياً في هذا العالم العاج بالكثير من المشكلات لأنه مدركاً أثر شعره وهيبته أيضاً .

كل ذلك نجده في هذه المقالة كي نتجول في سياحة معرفية في هذا الديوان الذي رآى النور حديثا

 "فليصمُت العقل ُ، وليتعالى صهيلُ الجنون" ص82

1487 qasimيقول عنه الكاتب "محمد حسين بزي " في مقدمة هذه المجموعة الشعرية: " لم أرَ أجل وأدلً من عناوين قصائد الشاعر الدكتور " علي عجمي " لتكون دليلي وما دتي في هذا التقديم، الصديق الدكتور" علي" يغريك َشعره بالاستماع إليه أكثر من الكتابة عنه، حاله حال المطر في موسم حرً وقرً، وحال السفر في سفرالشعرالأصيل.فأراني أسافرفي شعركَ، أحلق في رؤاك َ، وكم تمنيت ُ ألا أعود إلا إليك، سعادة السفيرالدكتور "علي عجمي " عليكَ سلام الشعرفي الزمن الجميل .ص7

"عيناك ِ برٌ وسيعُ والمدى زَلق ُ، هنا أحط ُ رحالي ثم أنطلقُ، عيناك بحرُ مديدُ تاهَ أخره، كأنه أفقُ مابعدهُ أفق ُ، عيناكِ ساريةُ الأفراح ِ مُشرَعةُ، للريحِ تحنو وئيداً ثمً تستبق ُ، عيناك ِ عمري وما للعمر ِ من أملٍ، إن لم يكن فيهما أسمو وأنسحقُ "

ومن هنا يقول الشاعر الكبير " أدونيس "حين تخلو أمة من الشعراء المبدعين فإن لغتها وثقافتها تموت، وربما غزتها وامتصتها ثقافة أخرى، وكل أمة لا يكون فيها إبداع مستمر تبتعد شيئا ً فشيئاً عن إبداعاتها في الماضي "ولهذا كان الشاعر "عجمي " يفعل ذلك في مجموعته الشعرية عبر العديد من اللوحات التشكيلية الشعرية والتي تنطلق من مكنونات هذا الشاعر اللبناني، التي أظهرها في جميع قصائده، والتي كانت تنسجم مع ما أراده في ديوانه "حقول الجسد "وهويدخلك في أتون المرأة، أو الوطن، أو المجتمع الذي يحيطه .

 " وهذا زمان ُ، تواكبه ُ المستحيلات ُ، فقلبٌ يعاني، وجسمٌ يخون " ص80

 حتى تتشكل صوره الحسية ليدافع بها عن قضيته بصفته "دبلوماسي " التي أراد لها أن تنطلق إلى آفاق مليئة بالحياة والحب، ويشبك قصائده على قوس الزمن المتشدد بين طرف الذاكرة أو الطفولة حتى إنه يستصرخ هذا العالم عبر لغته الموسيقية المنسجمة مع روحه، وحسب رأي الناقد"اليوت " فإن موسيقى الشعر ليست شيئاً منفصلاً عن الشعر .ولهذا جاءت لغته فيها إمتاع وصور من خلال إستخدام لغة معمقة ملتقطاً اشياءه التي يريد التعبير عنها ويتمسك بها ويوظفها في أداء الدلالة، وهويسجل دفق التداعيات في اضطرابها واختلالها، ولو وضعنا كل مفردة من مفرداته لوجدناها صرخة بهذا العالم الذي يشتكي منه عبر مساجلاته الشعرية، ومن خلال هذا الصوت الشعري نستشف لغة التوحيد وإستمرارية التأثير في عالمنا هذا، ولم يكترث إليه الا ليطلق الصيحات له عبر لغة مشعة بالإيحاءات وتقترب كثيرا من لغة الوصف التي إستخدمها الكثير من الشعراء الذين سبقوه وهي لغة الوصف المحايدة للكثير من قصائده

"فهذا زمان ُ الجُنون، وهذا زمان ُ المُجُون، وهذا زمان ُ خؤُون، وهذا زمانَ من قالَ إنا خذلناهُ، من قالَ إنا حملناهُ فوقَ الأكفِ "

ولهذا أراد أن ينهل من علوم اللغة عبر دراسته الطويلة التي توجها بحصوله شهادة الدكتوراه في اللغة العربية، ولغة الوصف التي إعتمدها لم تكن غريبة على لغة الشعر، وهي كسلسلة مسبحة تطوق روحه بالحب والأمل واليأس تجاه وطنه وحبيبته وناسه الذين اعتادَ عليهم، ومشاعره وقيمه تتموج كالبحر امام ما يشاهده من رحلة بانورامية مستفزة .

"كُنت ُ كَمن يبحث عن تيه ٍ، لا يدري ماذا يختار، كنتُ أمارس ُ عبثَ الدنيا، وأُلاعب ُ حذرَ الأقدار " ص75

 ونجد شاعرنا "عجمي " يبتكر الكثير من الدلالات ولم يرتكن إلى الدلالات القديمة المورثة بل كان كثير الإبحار في المعاني أو الصور الجديدة حتى إنه ظل يدخلنا في الكثير من عوالمه كما قيل له في مقدمة المجموعة الشعرية الصادرة من دار الأمير للثقافة والعلوم، الطبعة الأولى ويقع الكتاب 172 صفحة من القطع المتوسط، من أين يأتيك الشعر يا صديقي ..؟

بقي أن نذكر أن له ثلاث مجموعات قصصية هي "المجنون من الحرب اللبنانية "1981 " ربما كان حلماُ " 1982 " حالات "2006"

 

قاسم ماضي –ديترويت

 

 

في المثقف اليوم