أقلام حرة

للتأريخ عينان!!

sadiq alsamarai"وعين الرضى عن كل عيبٍ كليلة....وعين السوء تبدي المساويا"

علينا أن نقرأ التأريخ بعينين رغم أنه مكتوب بعين واحدة، فالتأريخ العربي خصوصا يبدو أن الذين أسهموا بكتابته قد أغمضوا عينا وفتحوا أخرى، وما إستطاعوا أن يكتبونه بعينين مفتوختين، وذلك لأن الحالة العربية كانت كالثورة البركانية، التي ألقت بحممها الفكرية والإدراكية الجديدة على جميع الجهات، فتسببت بحرائق شاسعة اللهب، إلتهمت  قوى وحضارات وضمتها إلى موقدها المتأجج، وبعد أن هدأت نيرانها وتفحم مَن تفحم، وتحول إلى رماد مَن تحول، بدأت الكتابة والقراءة والتقديرات والتقيمات، حتى وجدتنا أمام أرشيف هائل من الكتابات المتقاتلة التي ينفي بعضها بعضا، وكأننا في معارك على السطور لا يهدأ أوارها.

وبعد أن دارت القرون وتقلبت الأحوال وإستدارت الأرض ما لا يحصى ولا يُعد من الدورات، وجدتنا نقرأ ولكن القراءة أيضا بدأت في معظم الأحيان بعين واحدة وعدم القدرة على القراءة بعينين، أو النظر إلى ما كتبته هذه العين أو تلك العين، مما تسبب بتعقيدات وتشويهات وتخريبات وإنشاءات جديدة، لصورة قد لا تكون موجودة أو قائمة في الواقع المنصرم والقائم، وكأننا أمام إعادة تصنيع التأريخ في مصانع الأهواء والرغبات والتطلعات المطمورة في النفوس.

ولهذا تجد عين الرضى تكتب بلغة وأسلوب وعين الكراهية بلغة أخرى، فتتجسد الإنتقائية التبريرية والتشويهية لطبيعة العين الناظرة، فكل عين تريد تعزيز ما تراه وتبني عليه وتسعى لإظهاره ونشره وتأييده.

وعليه فأن قراءة التأريخ لا تنتهي إلى نتيجة قطعية ذات قيمة سلوكية نافعة، وإنما تساهم بتنمية التشويه والتشويش ودفع الناس إلى الحيرة والإستغراب وعدم الإستفادة من الماضي.

وهكذا فأن التعامل مع التأريخ يتسبب بأضرار حضارية، ويعوق التفاعل المعاصر مع الأيام، ويستنزف الطاقات، ويكون من الصالح العام عدم رؤية الحاضر والمستقبل بعيون تأريخية، وإنما لا بد من التحرر من قبضة التأريخ والإنطلاق بقدرات تفاعلية إنسانية رائدة، للوصول إلى الأهداف المرجوة وبناء الواقع الإجتماعي والوطني الأقوى والأقدر!!

فهل أن منفعة التأريخ أقل من ضرره؟

وهل من الأفضل أن نتحرر من أصفاده ونعيش عصرنا، ونعبّر عن طاقاتنا وقدراتنا الأصيلة المتوافقة مع إيقاعات زماننا الخلاّق؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم