أقلام حرة

الواقع المتعاوق!!

sadiq alsamaraiتأمل معي عزيزي القارئ ما تسمع وتشاهد وتقرأ في الصحف والمواقع ووسائل التواصل الإجتماعي، وغيرها من المنافذ التفاعلية ما بين البشر في واقعنا المبتلى بوجودنا السقيم، وقل لي ماذا وجدت، وماذا قرأت، وما هي إستنتاجاتك؟

ربما لا تتفق معي، لكن السائد أن المجتمع يستهلك طاقاته وقدراته في توافه الأمور، وكأنه لا يعيش في القرن الحادي والعشرين، وإنما في أقبية أجداث عصور ما قبل التأريخ، بل أن في الإنتاج الفكري والثقافي للحضارات القديمة ما هو رائع وأصيل، وبمستويات إبداعية وفكرية راقية ومنيرة تتحدى إرادة الزمن وسطوته.

وبسبب هذا الهدر التوافهي (من التفاهة) للطاقات تجدنا في محن متوالدة وتداعيات متراكمة، وويلات متعاظمة وحروب وصراعات متفاقمة، فالواقع يعكس محتويات الرؤوس ويترجم ما فيها بصدق وتفصيل وتأكيد مثير.

فعندما تقرأ مقالة في صحيفة أجنبية وتقارنها بمقالة في صحيفة ما من صحفنا، تجد الفرق الشاسع وتستدل على معنى التفاهة المقصودة في هذا المقال، وكذلك عندما تستمع لتصريح أو خطاب أو نقاش سيتبين مدى الغرق في توافه الأمور، وإغفال ما هو أساسي وجوهري وضروري لبناء الحاضر والمستقبل.

ويبرع أدعياء الدين في سوح التوافه بما يتداولونه من أضاليل وخرافات وخزعبلات وأباطيل، ومداعبات للرغبات والغرائز البشرية التي يمنحونها معانٍ دينية، ويؤطرونها بمرويات وفتاوى وسلوكيات مقيتة تشوه القيم والمعاني الإنسانية السامية للدين.

وتجد الشباب والنشأ الصاعد منغمس بالتفاعل مع التوافه التي تشوه رؤيته وتبدد تصوره، وتميّع إرادته وتفرغه من الطموح النبيل والأمل الأثيل، وتدفع به للدوران حول سلال المهملات المحشوة بسموم الأفكار والسلبيات السلوكية الماحقة للحياة.

وفي هذا المأزق التوافهي تكمن معضلة أمة ومهلكة أجيال، تتوارد إلى حياض التافهات وتتمرغ بأوحالها فتختنق وتموت، كما تموت الأسماك المتقافزة من الماء إلى الجرف اللئيم، مأزق يحرم البشر من أوكسجين العصر ويتسبب بإختناقه بأول أوكسيد الكربون الذي يعصف في كل مكان، والناس تهيم وتتساقط هامدة تحت سنابك التافهين المروجين للذي يخزي ويشين.

ولا يمكن لمجتمع أو أمة أن تكون وتتواصل في مسيرتها، إن لم تتطهر من تفاهات الرؤوس وتتعامل مع عصرها وترى نور شمس النهار، وتدرك أن الضلال يدمر وجودها ويسحق إرادتها، وأنها مطالبة بالعمل والجد والإجتهاد، ووعي قيم إنسانية إقتصادية ثقافية فكرية معاصرة تمضي البشرية في دروبها، وتبني معالم صيرورتها المتنامية في أروقتها ذات الآفاق المطلقة الواعدة بالأرقى والأفضل.

فهل ستتنقى الرؤوس والنفوس من التوافه النحوس؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم