أقلام حرة

القوة والهُوة!! (2)

sadiq alsamaraiرابعا: وهْمُ القوة!!

بعض الكراسي تعيش وهم القوة والسيادة وتحسب بأنها قادرة على الوصول إلى ما تريد، ويغيب عنها أن المنطقة ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم، لم تذق طعم السيادة، وإنما هي محكومة بالقِوى ذات المصالح فيها.

وما أسميناه بالإستعمار في القرن الماضي هو ذاته القائم اليوم، ولكن بأساليب أخرى ذات مردودات ربحية وستراتيجية أعلى.

فالمنطقة تكون وتتشكل وفقا لإرادة المصالح .

وقد تشكلت في النصف الثاني من القرن العشرين وفقا لإرادة تأمين قيام المشروع المعروف في فلسطين، واليوم تتشكل وفقا لمقتضيات ما بعد ذلك المشروع.

ومن الغريب أن البعض لا يزال في غيبوبة وعدم قدرة على الإستيعاب ويمضي في طريق واحد لا رجعة فيه، وهو طريق السقوط في الهاوية المحفورة والمعدة له بإٌتقان.

ومن الملاحظ أن بعض القوى الإقليمية التي تريد أن تحصل على حصتها من كعكة المنطقة تساهم  بقوة في تحقيق التغيرات اللازمة لكي تتمكن من تأمين مصالحها.

وهناك قوى ذات إندفاعات عقائدية عمياء وتسعى بشدة نحو إمتلاك الشعب المقهور وتأمين مصالح الآخرين فيه، لأن مصالحهم تلتقي مع مصالحها أو العكس.

وفي هذا الخضم المعقد تبقى بعض الأنظمة العربية تتصرف ضد مصالحها ومصالح الشعب، وتتمسك بالكرسي وتحسبه كل شيئ وهدف ولا يعنيها التفاعل مع الشعب.

فهي لا تصدق أن القوة تستمد من الشعب، وإنما من قوى خارجية تساعدها على أن تكون ضد الشعب، وتتجرأ على محاربته وسفك دماء الجماهير التي تريد حريتها وكرامها وحقها الطبيعي في الحياة.

حصل ذلك ولا يزال يجري، ولا من قدرة للخروج من نمطية الهلاك ودائرة الضياع والقهر المغلقة.

ولا يُعرف متى تعي الأنظمة السلبية وتدرك وتفهم وتتعلم.

ولهذا فأن المنطقة ستعيش مآسيَ متواصلة وستُسفك فيها دماء غزيرة ما دامت الأنظمة ضد الشعب، والسلاح تم خزنه وشراءه بأموال الشعب لقتله ومحق إرادته، ومنعه من نيل حقه المشروع .

وهذا معنى الحكم في قاموس المنطقة المأسورة بالنفط،  وما ينجم عنه من حروب وتداعيات وصراعات وويلات، خلاصتها حرمان الإنسان من سعادة النفط وخنقه بدخانه وتمرير المصالح المرهونة بآليات القبض على النفط.

خامسا: قوة التفاؤل!!

التفاؤل قوة إيجابية خلاقة تستحضر قدرات الصيرورة الأفضل، وتبني أسس الحياة المعبّرة عن الإرادة الإنسانية الحية،  وعندما تتحقق طاقة التفاؤل في أعماق الإنسان فأنها تؤهله للإرتقاء بواقعه إلى الأحسن وتساهم في تقدمه، وبهذا يصنع فرصة صيرورته وميادين تألقه وتفتحه اللامحدود والمتواصل مع قدرات المتفائلين من حوله.

ولم يكن نداء "تفاءلوا بالخير تجدوه" مجرد عبارة أو كلام، وإنما فكرة حضارية ويقظة نهضوية وتفاعل واعي أصيل لميلاد أمة وإنبثاق وجود.

وما مسيرة الحضارة العربية الإسلامية إلا تأكيدات متكاتفة ومتفاعلة لمنطلقات التفاؤل، التي أوقدها الرسول الكريم وحمل مشاعلها الصحابة والعارفين والمدركين لأعماق جواهر الأفكار الإنسانية.

فالتفاؤل إرادة كينونة قوية ومنبع مسيرة متنامية، وبودقة إنصهار للطاقات الإيجابية الواعدة الفاعلة المتطلعة إلى ما وراء آفاق الرؤى والتصورات.

فعندما تتعزز طاقة التفاؤل في الأعماق البشرية يتمكن الإنسان من إنجاز ما لم يكن قائما في الحسبان، وتجده قد تواصل مع أيامه بقدرات ذات قيمة وتأثير في صناعة الأفضل والأقدر.

والمجتمعات الحية بقياداتها الواعية ترعى التفاؤل وتعلي قيمته ودوره في المجتمع، لأنها تدرك أنها من غير طاقاته لا يمكنها أن تتواصل وتبقى.

أما هذه القيمة فأنها مغيّبة أو مجهولة في المجتمعات المقهورة  الضعيفة المتأخرة، التي يسود فيها  منهج التشاؤم وما ينجم عنه من تداعيات وأفكار مناهضة للحياة والقوة والإقتدار.

ويبدو ذلك واضحا عندما نقرأ صحف المجتمعات المتقدمة، ونقارنها بصحف المجتمعات المتأخرة حيث تظهر سيادة التفاؤل في الأولى وسطوة التشاؤم في الثانية.

ولكي تتقدم المجتمعات المتأخرة لا بد لها أن تعلي قيمة التفاؤل وترعاها وتعزز ثقافتها ومبادئها وسلوكياتها.

وعلى المسؤولين أن يكونوا يقظين ومدركين وحذرين بإستخدام المفردات، ومن واجبهم ومسؤوليتهم أن يختاروا المفردات المتفائلة الدالة على القوة والثقة بالحاضر والمستقبل.

إن إشاعة ثقافة وروح التفاؤل في المجتمعات الإنسانية تصنع الحياة الأفضل وترعى التقدم والإزدهار.

سادسا: القوة في العمل!!

العمل فعل والفعل قوة والقوة تؤثر وتغير، والشعوب الحية تؤمن بالعمل فكل ما تقوم به هو العمل،

القول عمل، ولا يمكنه أن يكون قولا وحسب.

وفي مجتمعاتنا عملُنا أقوالنا وخطاباتنا وتصريحاتنا ،  وهذه علة مزمنة وعاهة مستديمة لها آثارها السلبية الضارة بالحياة ومعالم التفاعل مع المتغيرات.

والمجتمعات القوية تستمد قوتها وتؤكدها بالعمل.

والمجتمعات الضعيفة لا تعرف العمل وإنما تستثمر في الأقوال التي تقاتل العمل، وتكبله بقيود إنفعالية سلبية ذات تداعيات خطيرة.

ولكي ترقى المجتمعات الضعيفة المتأخرة إلى مصاف الزمن المعاصر لا بد لها أن تعمل وتكون أقوالها وأفكارها أعمالا.

فالصينيون واليابانيون والكوريون يعملون ويعملون وكذلك أبناء الدول المتقدمة، فأن أولويات نشاطاتهم تتركز في العمل والعطاء والإضافات النوعية اللازمة للتطور والإنطلاق الأسرع.

وعندنا الدين العمل والعمل عبادة، والعمل أساس القوة ومعيار الإصلاح والفلاح الإنساني، لكن مفهوم العمل قد هزل وتبدد وصارت الأساليب المراوغة والمناهضة للعمل هي التي تحكم وتسود.

فما عاد للعمل قيمة إجتماعية وإقتصادية كما يجب أن يكون ويتأكد، فالذي يعمل يبقى بحاجة إلى أشياء أخرى، لأن العمل لا يساهم في توفير الحياة الكريمة، مما يدفعه إلى الأساليب الغير المشروعة التي تطغى على العمل.

ويبدو أن إضعاف قيمة العمل ودوره في حياة أبناء المجتمع العربي  سياسة متبعة على مدى العقود لترسيخ الضعف وزعزعة الثقة بالنفس، وإدامة القهر والظلم والتحكم بمصير الناس وأخذ ثرواتهم وما عندهم من القدرات، وفي هذا سلوك عدواني على الأجيال وإخراجها من مسيرة التفاعل البشري المعاصرة.

إن العودة إلى إدراك أن القوة الحقيقة تكمن في العمل والجد والإجتهاد والمثابرة، من أهم مرتكزات وعناصر النهوض في مجتمعاتنا، وأي إغفال لهذا الموضوع يعني الركود والتفاعلات السلبية والصراعات البائسة اليائسة في الحياة.

فهل سنعمل ونؤمن بالعمل وتطوير العمل والتقدم بالعمل أم أننا سنستكين لحالة اللاعمل والإلتفاف على العمل، والسعي وراء مردودات الفساد والإفساد وتحقيق حالة الضياع والضعف والخسران؟!

سابعا: القوة تُصنع ولا تُستورد!!

لكي تكون قويا عليك أن تصنع وسائل قوتك، وكل مستورد لقوة لا يمكنه أن يكون قويا، وإنما مرتهنا بإرادة القوة التي إستورد منها بعض أسباب القوة.

والدول التي لا تصنع سلاحها لا يمكنها التحدث عن القوة، فهي مثل الأرانب التي تلبس جلد الأسد!!

ومن الواضح أن سبب الخيبات العاصفة ببعض المجتمعات ناجم من عدم قدرتها على صناعة ما تحتاجه من السلاح، فتسعى لشرائه لتقيّد مصيرها بإرادة مصدرهِ، وفي هذا فقدان للسيادة والحرية والكرامة الوطنية والإنسانية، لأن الذي يبيعك سلاحا يمتلكك تماما، لأن مصيرك مرتبط بسلاحه.

وهذه الحالة فاعلة في الدول العربية، فمنذ تأسيس جيوشها إعتمدت على غيرها في التسليح، مما أدّى إلى ما آلت إليه الأحوال في جميع الأقطار العربية وبلا إستثناء.

ولا يُعرف لماذا لم تبدأ الدول العربية بسياسات التصنيع العسكري مع بدايات تأسيس قوتها العسكرية، كما تفعل المجتمعات القوية، وإن فعلت فأنها تخرب ما صنعت ولا تتواصل وتتطور كما حصل في العراق ومصر ودول أخرى بدأت وتوقفت.

وعليه فأن الدول العربية ليست قوية أو أنها متوهمة بالقوة، وهي تستورد كل شيئ من غيرها، وتحسب أن قوتها في النفط وحسب، وما تمكنت من توظيف عائداته لتحقيق المرتكزات الحقيقية القادرة على صناعة القوة، وتناست أن جوهر القوة يكمن بالمعرفة والعلم وإعمال العقول وتأهيلها للإبداع والتواصل والتفاعل الوطني الأصيل.

وما يجري في بقاع العرب من صراعات دامية تستخدم أسلحة وذخائر مستوردة من الآخرين، وتساهم أموال النفط بتوفيرها ودفع حساباتها، أي أن العرب يسخرون الثروات النفطية لدمارهم وتنمية أسباب إضعافهم وهونهم.

فالعرب يقاتلون بأسلحة غيرهم، ومَن يقاتل بأسلحة غيره يحقق مصالح السلاح  ويناهض مصالحه، فالذي يبيع السلاح لا يفعل ذلك إن لم يكن إستخدامه محققا لمصالحه، ولذلك فأن إستخدام العرب للسلاح قد حقق مصالح مصادره وما حقق مصلحة عربية واحدة.

ومَن يتصور بأن العرب أقوياء لأن لديهم القدرة على شراء الأسلحة من غيرهم، فهو يعيش سرابا، لأن ما أنجزه العرب بالأسلحة المستوردة لديارهم هو الخراب والدمار والضياع والتعبير عن العداوة والعدوان والإنتقام، والتحول إلى أسواق مفتوحة لتجار الأسلحة وشركات الإفتراس الحضاري اللذيذ.

فالقوي مَن يصنع سلاحه والضعيف مَن يستورده، فيتوهم القوة وهو الواهن الضعيف.

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم