أقلام حرة

السلفية والعزف على أوتار الأمّة

eljya ayshتحتقر السلفية المتطرفة العقل البشري الذي ينادي بالتجديد والتغيير والتكيف مع الحداثة، وتكن له الكراهية والعداء، وتعتقد أن الدعوة إلى تجديد الفكر الإسلامي تحرير العقل ضرب من الانحراف لدرجة أنها تخاطب الآخر بلغة التكفير، وتنظر إلى المسلم الغير سلفي بنظرة احتقار، بحيث بالغت في تطرفها الفكري وأعطت لبعض الممارسات نوعا من التقديس مثل الزيّ والذقن، تعتقد أنا السلفيين وحدهم مؤمنون ومتدينون، وأن الآخرون كفرة أو شياطين، وتجاهلت أن السّلفية قبل كل شيء فكر وسلوك، وليس شكلا أو مظهرا

يعرف السلفي بأنه من جعل من رسول الله قدوته، لا الشيخ محمد عبد الوهاب ولا الشيخ فركوس، ولا أي إمام أو أمير، وقد أعطى بعض السلفيون الإسلام والثقافة الإسلامية طابعا متطرفا، ودعت السلفية إلى إعادة النظر في الفكر الإسلامي والذهاب إلى تأسيس الدولة الإسلامية، فيما يمكن تسميته بالإجماع بالأصولية الإسلامية l’integrisme islamiste، من حيث الطبيعة والمنهج، وبحكم كفرها للبناء الحضاري للأمة، فقد ربط السلفيون المتطرفون مفهوم السلفية بإقامة الدولة الإسلامية التي ترى أن هوية الشعوب وثقافتها عاملا ثابتا لا يقبل التطور، وأعلنت حربها على الحداثة والتطور، باستعمال أساليب الترهيب والتهديد، ولم تعلن رفضها للحداثة فقط، بل سعت إلى خلق نوع من النزاع الفكري بين العلماء والمفكرين، فهي مثلا كما يقول أهل الاختصاص تفرق بين ابن رشد المسلم والميمون اليهودي والمسيحي توماس الإكويني، ولا تؤمن بأن الثلاثة يجمعهم عنصرا واحدا وهو "الفكر"، الذي يجعلهم يتبادلون الأفكار والرؤى، دون تحفظ في إطار حوار الثقافات وحوار الحضارات وحوار الأديان.

فالتطرف في كل معانيه غالبا ما يفضي إلى صراع بمختلف أوجهه ومساحاته، فهو لا يغدو أن يكون صراع أفكار فقط، إنما صراع أفراد، صراع هيئات ومصالح ومؤسسات بل صراع أجيال وفي النهاية يكرس الصراع التخلف فكرا وسلوكا (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر..) إلى آخر الآية 159 من سورة آل عمران، ولهذه الأسباب تأخر المسلمون، ولا ننسى أن المدّ السلفي لا ينادي بقيام ثورة ثقافية أو فكرية، فهو يراها (الثورة الثقافية والفكرية) خطر يهدده، ولذا فهو يبذل جهده لإبعاد هذا الخطر، وهوة يقصد بذلك خصومه الذين يرون أن التيار السلفي ما هو إلا موجة رجعية ولا صحوة إسلامية، وللخروج من هذا المأزق لابد من إحداث ثورة ثقافية حتى تستفيد الشعوب العربية والإسلامية من الوسائل الفكرية التي أنتجها العقل البشري، إذ يرى أن هناك فكر إسلامي عربي موحد نابع من الإسلام، وهو يطبع جميع نشاطات الإنسان وهو صالح لكل زمان ومكان، كما لا يخضع إلى التطور والتغيير، وبما أن السلفية ترفض التطور والانفتاح على العالم، فهي تعتبر كل من ينادي بالتجديد، وتحرير العقل، عدوّ لها وللإسلام، وترى أن المسلمين والعرب تاهوا في الطريق وأضاعوا هويتهم الأصلية، لأنهم أهملوا تراثهم الإسلامي الحقيقي، وأن العودة للتراث في نظر السلفيين شرط ضروري لاستعادة مجدهم المفقود، وهنا نتساءل هل "اللحية والقميص" جزء لا يتجزأ من التراث الإسلامي.

كنت قد دخلت في نقاش مع سيدة تدّعي أنها "سلفية" لمجرد أنها ترتدي الجلباب الذي يسمى عندنا في الجزائر " التشادور"، لما سمعتني أحاور شقيقتها عن مشكلة ما، وقعت لي وأنا أغطي ندوة فكرية بدار الإمام، وذكرت اسم "السلفيين"، فتدخلت وقالت: ما بهم أصحاب اللّحى؟ وراحت تجادلني، فأدركت أنها لا تملك حتى ثقافة الحوار وأسلوب الإقناع بعدما وصفتني بالجهل، قلت لها: ماركس كان باللحية فهل هو سلفي إذن، وقد انزعجت من ردي لكما قلت لها: السلفية فكرٌ وسلوكٌ، ولسست مظهر أو لباس، وراحت تحدثني عن الشيخ فركوس والألباني، ولما حدثتها عن المطويات التي يروجها السلفيون في الشارع وداخل المساجد، والتي مدوّن فيها أحاديث الأئمة الأربعة وأسفل المطوية كتب: "صححه الألباني"، سألتها مادُمْتِ سلفية، فسّري لي كيف يصحح الألباني أحاديث الإمام الترمذي والإمام مسلم، وأحاديث الإمام أبو هريرة وهي أحاديث صحيحة غير مشكوك فيها، لكنها سكتت ولم تنبس بكلمة.

لهذه الأسباب تقدمت المسيحية على الإسلام، لأن المجتمع الأوروبي خطا خطوات حاسمة، بينما المجتمع العربي توقف عن التطور والتغيير، ورفض الحوار، وظل غارقا في صراعاته الطائفية القديمة، و لم يضع ملامح خطة واضحة للمستقبل، الغريب أن السلفية ترى أن تطور أوروبا وانتصار الغرب على المسلمين هو معاقبة الله للمسلمين عن تخليهم للمبادئ الإسلامية الصحيحة، والواقع أن إصلاح حال المسلمين اليوم مرهون بإعادة النظر في الخطاب الإسلامي، وإذا كانت السلفية كما يقول أنصارها قائمة على أصلين لا ثالث لهما، وهما كتاب الله عز وجل وسنة النبي (صلعم)، نتساءل كيف وصل الفكر الشيعي إلى جنوب أفريقيا؟ هل هذا راجع إلى فشل الخطاب الديني عند أنصار السُّنَّة؟ أم بسبب انغلاقهم الفكري، مما سمح بانتشار الفكر الشيعي في المعمورة، فالشيعة قدموا النموذج الحضاري وكانت لهم طريقة خاصة في تنوير العقل، إن المشكلة حسب المحللين تكمن في غياب نخبة علمية معرفية تنقل الإسلام من إطاره النظري إلى الإطار التطبيقي، بحيث استخدم البعض الدعوة الإسلامية أو الخطاب الإسلامي بأسلوب مشوَّهٌ للغاية، لاسيما والمجتمع البشري مهما كانت عقيدته يسير نحو مرحلة يتجسد فيها نموذج المجتمع العالمي، فقد ورد عن النبيّ (صلعم) أنه قال فبنته فاطمة: " فإنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أنا لكِ" وسلف فاطمة سلفٌ للصحابة أجمعين.

قرأت في كتيب تحدث فيه عبد العزيز بن ندى العتبي عن السلفية تحت عنوان : من السلفيون؟ who salafis، فيقول: إنهم يخافون السلفية لأنها جماعة معلنة وطريقة ظاهرة المسلك والإعتقاد، ويضيف بالقول: نؤمن بالعمل المعلن، ولا نبطن مذهبا، دعوة شعارها الظهور، لا نكتم دينا، ولا نضمر شرًّا، ولا تؤمن السلفية بعمل سِرِّي وبتحيين الفرص للنيل من الآخرين، ولكنه لم يذكر من هم هؤلاء الذين يخافون السلفية، ثم يقول: " السلفية حزبٌ واحدٌ وبلدٌ واحدٌ و"أميرٌ" واحدٌ، ولا شك أن السلفية هنا تكفر بالنظام الرئاسي، عندما قال أن السلفية لا تؤمن بأحزاب تدين بالسمع والطاعة لأمرائها والولاء لرؤسائها..، و نلاحظ مدى تناقضه عندما قال أن السلفيون يراعون هيبة الدولة ومصالح الأمة، كما أنهم يرفضون المظاهرات، ويرون أنها مقدمة للخروج على الحكام، إلى أن يقول أن السلفية تحارب التكفير وتحارب سفك الدماء..الخ، الأزمة طبعا كما يقول المحللون هي أزمة فكر، وأزمة قيادة، وأزمة نهج، وأزمة برامج، كما هي أزمة خطاب، وهنا نقول أنه حان الوقت لإعادة النظر في الخطاب الإسلامي وتصحيح العلاقة ليس بين المسلم والكافر فحسب، وإنما بين المسلم والمسلم، أي المسلم المنغلق والمسلم المتفتح الحداثي، وإيجاد خطة تبدد المفاهيم السلبية وتفتح حدود لحركة تبادل فكري بين المسلمين، كما انه حان الوقت لاستعراض الواقع العربي والإسلامي، وذلك لا يتم إلا بمراجعة التراث الإسلامي من وجهة نظر غير تبعية، وغير متعصبة وغير متشددة، ومحاولة فهم أسباب نكوص المسلمين وأسبابه الذاتية والموضوعية، ومن ثم القضاء على الصراع بين السلفية التي تسعى الى اغتيال العقل كما قال في ذلك برهان غليون الذي حاول تصوير محنة الثقافة العربية على أنها تدور بين السلفية والتبعية، والحداثة التي تعني منهجية التعامل مع انجازات الحضارة الغربية بشكل واع، وبالتالي قراءة التراث بعيدا عن القراءة السلفية له، لأن الربط بين التراث والحداثة يعمل على تحصين المثقف في فهمه وتحليله للظواهر، فطالما أن السلفية ليست ملكا لفرد أو طريقة أو حزب، ومن فهم الكتاب والسنة فهما صحيحا وعمل بهما فهو سلفي ولو كان في أقصى الدنيا، فلتترك السلفية الناس إذن تأخذ الإسلام من منبعه.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم