أقلام حرة

مهمة (المثقف) الأولية هي تثقيف "المثقف"

mutham aljanabi2تقديم عام: لقد وضعت في البداية عنوان "مقترحات للنقاش من اجل تطوير (المثقف)"، لكنني في مجرى التأمل النقدي لما أنا بصدده، استبدلته بعنوان المقال المذكور أعلاه، باعتباره الأكثر أهمية وجوهرية، ومن خلاله يمكن تقديم المقترحات الضرورية لتطوير عمل ووظيفة ومهمة (المثقف) بوصفه موقعا الكترونيا مهما وحيويا وضروريا بين هذا الكم الهائل من المواقع المتنوعة من حيث إمكانياتها ووظائفها.

***

فمن الناحية العامة يتجاوز (المثقف) المواقع الأخرى التي تضفي على "المثقف" إضافات وطنية أو محلية أو عقائدية وما إلى ذلك. وبهذا يكون اسم الموقع اقرب إلى مضمونه. بمعنى تجاوزه عناوين (المثقف العربي) التي تخلو من العروبة، و(المثقف الجديد) في حين ان المثقف الأصيل لا يمكنه ان يكون قديما، و"المثقف اليساري" وما إلى ذلك. بل وعثرت قبل فترة على موقع يحمل اسم (المثقف الجعفري)، وتبين من خلال الإطلاع على ما فيه هو الموقع الشخصي لوزير الخارجية العراقي الحالي (إبراهيم الجعفري). ولا علاقة له بالمذهب الجعفري. والموقع لا ثقافة فيه باستثناء ما يميز الجعفري من "مفردات" مشوشة ولا معنى فيها، و"حكم ووصايا" بديهية ينبغي ان يعرفها صبيان المدارس الابتدائية. وكل ما فيه منه وله ولا مشاركة من اي كان بتاتا. وهذه قضية "ثقافية" ونفسية وشخصية لا علاقة لها بالمثقف والثقافة.

وبالتالي، فان الموقع الفعلي (للمثقف) الفعلي أو الأصيل يفترض، بحدود إمكانية الثقافة والمثقفين، الارتقاء إلى مصاف تمثل وتمثيل حقيقة الثقافة والثقافة الحقيقة. والمقصود بذلك الثقافة العلمية الرصينة المهمومة بإشكاليات الوجود التاريخي للفرد والجماعة والأمة. وهذه قضية معقدة وغاية ليست سهل المنال، لكنها ممكنة بالحد الواقعي والمعقول لحالة الثقافة في عموم العالم العربي الحالي.

ومن دون الخوض في مختلف جوانب هذه القضية، أرى من الضروري الاكتفاء بحالة الثقافة والمثقف في (المثقف)، التي تحتاج إلى إعادة نظر نقدية بمختلف جوانبه ومستوياته من اجل رفع مكانته والاحتفاظ بها مستقبلا.

ان مهمة (المثقف) هو جمع هموم الثقافة والمثقفين فيما يمكنه ان يكون حوارا ذاتيا ونقدا عقليا وممارسة ثقافية ترمي أولا وقبل كل شيء إلى ما أسميته بتثقيف المثقف، اي "محاصرته" ضمن قيود الرؤية الثقافية والإبداع فيها. بينما لا أرى (بعد إعادة قراءة ما نشر خلال شهر) من وجود لامع أو مهم لأدراك هذا الجانب، باستثناء القلة القليلة. كما ان المنشور على صفحاته يتسم بتنوع مخلوط يخلو من منهجية الرؤية والتوجه وإدراك القيمة المختلفة لما ينشر. من هنا وضعها جميعا باستثناء (نصوص) أدبية في سلة واحدة. بحيث توضع في محل واحد الأبحاث والدراسات والمقالات والخواطر والذكريات وغيرها. فالي جانب أبحاث سياسية وتاريخية وفلسفية وتراثية نعثر على مقالات سياسية عادية، ونصائح تتعلق بقيمة أكل الجزر والبطيخ والثوم، وذكريات عن الأصدقاء والإباء والأقارب وما إلى ذلك.

ان كل هذه الأشياء ضرورية، لكن من الضروري ان يكون لكل منها قيمته المستقلة. اذ لا يمكن ان تعطي مساحة زمنية لبحث قد استغرق الباحث فيه عدة اشهر مع خواطر ونصائح وذكريات لا تستغرق كتابتها عشر دقائق.

إضافة لذلك لم أر على دراسات نقدية جدية ورصينة في مجال الأدب (الشعر والمنثور بمختلف فنونه). بينما نعثر على مديح هائل وكبير "لنصوص أدبية" نادرا ما تحس فيها قيمة الأدب والإبداع الأدبي. بل أرى في اغلبها كتابات صغيرة لا قيمة جمالية فيها ولا إبداع. في حين ترى في المديح كلمات كما لو انك تقف أمام نصوص أدبية رفيعة جدا. وينطبق هذا على المحاباة في جوانب أخرى.

ان المثقف الحقيقي هو الذي يبحث عمن ينتقد فيما يكتب. بينما يحرص البعض، كما اخبرني بعض الأصدقاء، من عدم السماح للتعليق النقدي على ما يكتبوه بينما يسمحوا بتمرير المدح والمديح. وهذه مؤشرات على صغر المثقف وثقافته. وارى من الضرورة إزالة موافقة الكاتب، لكي لا يتحول إلى رقيب صغير!

ان المثقف مختلف ومتنوع. فهناك الكبير والمتوسط والصغير، أو الأصيل والمزيف، كما ان بين الشعراء شاعر فحل وآخر شويعر وثالث شعرور. ولا غرابة في الأمر، بل حي حالة ملازمة لكل ميدان. لكن المهمة تقوم في تقليص هذا التباين والنواقص الأخرى من خلال تطوير (المثقف) من ناحية الشكل والمضمون والوظيفة.

لهذا اقترح ما يلي"

1. ان يكون (للمثقف) شعاره الخاص (صورة وكلمة). ولا باس ان تطرح للمسابقة.

2. ان يكون للموقع شكله المتميز والجميل والعملي بما يتناسق مع مهمة تصنيف الكتابات. فهناك الكثير من الفنانين الذين يمكن دعوتهم بهذا الصدد إضافة إلى المتخصصين بالإخراج الالكتروني النهائي

3. تصنيف المحتويات إلى

• أبحاث ودراسات

• كتابات سياسية

• الشعر والمنثور

• النقد الأدبي

• خواطر وذكريات

4. ان يكون لكل صنف من هذه الأصناف استقلاله على الموقع، الأمر الذي يفسح المجال أمام ما يمكن دعوته بالاستحقاق الزمني لكل منها. بمعنى ان يكون استبدال المكتوب حسب امتلاء كل منها. الأمر الذي سيضع كتابات المثقفين وزمن عرضها بما يتناسب مع كمية المنشور.

5. ان بلوغ ذلك يفترض توسيع هيئة التحرير بالتخصص، بحيث لا تثقل كاهل الأخ ماجد الغرباوي. ومن ثم تساهم في تدقيق النصوص المكتوبة.

6. ان تنفيذ هذه المقترحات يستلزم الدعم المادي للموقع لكي يمكنه السير دوما كمؤسسة مستقلة ودائمية. لهذا اقترح ان يساهم كل من يكتب على صفحات المثقف بدفع مبلغ مائة دولار أمريكي سنويا، على الأقل لمدة سنتين أو ثلاث. فإذا كان عدد كتاب الموقع إلف شخص، فان الحصول على مائة ألف دولار سنويا سيشكل قاعدة متينة لعمله وتطويره التكنولوجي والفني. وان تقوم الإدارة بإيجاد الطريق السهل لدفع المساهمات.

هناك مقترحات أخرى عديدة، لكنني اكتفي بما ذكرت، وذلك لانها مهمات ومقترحات قابلة للتنفيذ. عندها يمكن العمل بصورة أكثر إبداعية مع مرور الزمن.

 

ميثم الجنابي

 

 

في المثقف اليوم