أقلام حرة

ماذا بعد التطبيع بين اربيل وبغداد؟

emad ali2منذ عملية الاستفتاء في كوردستان وتعيش الحكومتان في حرب باردة علنية وخفية وتستعمل كل منهما ما امكنها من الحيل والمحاولات السياسية والعلاقات الكثيرة ومنها الملتوية لفرض ما تريد وحتى وصلت الحال للخصام المباشر والتململ الى صفوف الشعب وقد انتظر الكثيرون الاخطر، ولم يكن الاجحاف بحق الكورد شعبا بعيدا عن كل تلك المناوشات من قبل المناوئين سياسيا او عقليا وعقيديا. وان كان من الاجدر ان كانوا حقا يهتمون بمالح الشعب جميعا كان من المفوض ولابد ان يبعدوا الشعب عن صراعاتهم التي لم ينالوا منها الا الضرر بانفسهم وبالمكونات جميعا دون استثناء.

توصل الجانبان او بالاحرى اجبروا على التوصل الى نقاط اتفاق كان بالامكان التوصل اليها في وقت قصير جدا، ومن لم يعلم عن خفايا الامور التي فرضت الكثير على الجانبين وبالاخص المركز الذي انصاع متاخرا للصغوطات الخارجية الكثيرة استوضح لديه الكثر الذي يجعله ان لا يصدق الادعاءات العسلية التي نطق بها العبادي، ولم يكن مقتنعا اساسا واستغل الوضع بينما لم يتمكن من التواصل فانه خضع للامر الواقع ولكنه للااسف يريد ان يبيعه للشعب الكوردي بالاحسان . وحكومة الاقليم التي لا تعترف لحد الان بانها الان رجعت الى ماقبل المربع الاول ايضا لولا خذلانها لكانت مدعية بالخير وهي تريد ان تمن على الشعب وكانها حصلت على مكتسبات تاريخية له وتريد ان تبيع الرخيص بالغالي له ايضا، اي الجانبان بائعان سياسيان ماهران للبضائع الرخيصة للشعب وعلى حساب الشعب نفسه.

دعنا ان لا ندخل في ماوراء الستار كثيرا وما ظهر على الملأ من التحركات والطلبات والضغوطات السياسية العديدة في هذه الفترة التي فرضتها الدول المهتمة نتيجة لكثير من الدوافع الخاصة بهم التي فرضت السير في اعادة الوئام بين الطرفين لاغراض في انفسهم ايضا ولم يكن العامل الانساني واحدا منها من قريب او بعيد .

لم تحل اية مشكلة كبيرة عالقة من اي جانب كان بين الطرفين، لازالت الخلافات القومية والسياسية والتاريخية والاقتصادية والثقافية موجودة والمؤثرات النفسية السلبية لازالت فاصلا ولم يعمل احد على اي تقارب من اية ناحية في تلك المسائل التي تعد عائقا كبيرا بين الطرفين والذي يبعد التصالح الدائمي.

ان كانت عملية الاستفتاء هي الشرارة التي اوقدت ما كانت مخفية بين المكونين فان الضغوطات السياسية الاقليمة والمواقف العالمية التي منعت اقليم كوردستان من السير في الاتجاه الذي يطمح اليه الشعب الكوردي، فان الجذوة ستبقى متقدة من تحت الرماد مهما كان الغطاء ثخينا وقويا ومنع ما يمكن ان تكب النار من جديد. فان لم يصل الشعب الكوردي الى قناعة بان بقاءه تحت سقف واحد مع المكونات الاخرى ( وهذا ما لايمكن ان نتوقعه لاسباب موضوعية وذاتية) فان التعايش يكون غير سليم او هش في كل الاحوال. القناعة المزيفة التي لا يمكن ان تفرضها القوة الغاشمة التي جربتها السلطات السابقة بكل مالديها، او القناعة الهشة ومن اجل مجموعة فئات متواضعة صغيرة لفئات بالسياسة التضليلية التي جربتها ايضا بعض السلطات باشكال مختلفة، او القناعة السطحية بعرض المصالح المختلفة للقوى المؤثرة وهذه ايضا سارت عليه السلطات من قبل ولم تنجح ولو نسبيا فيها، وانما القناعة الذاتية الخالصة وهي تقنع الجميع بان التعايش والمصالحة العامة المشتركة والسلام هو الحل الذي لا يمكن تصوره الا في حال تجسدت المواطنة الحقيقية المبنية على الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية والقناعة الفردية الذاتية بحقيقة الامر وليس من فعل ايدي مصلحية مغرضة لاجل مصلحة قصيرة المدى، وهذا لا يمكن الا في واقع يتمتع بوجود الخصائص التي تدفع الى تحقيق المراد من الاهداف من اجل سلامة وسعادة الجميع. فان كانت العقلية المسيطرة مستندة على السياسات الطائفية والعرقية والدينية المذهبية والعنصرية القائمة لحد اليوم كما هي مثبتة بالدلائل الملموسة التي توضحها نتائج الانتخابات والادعاءات والترويجات ومواقف المرشحين وكيفية حصولهم على الاصوات، قبل اي شيء اخر، فاننا لا يمكن ان نعتقد بوصولنا الى الحلول المقنعة.

ان كانت المصالحة والتقارب والنظرة الى البعض بعقلانية ومن اجل استراتيجية راسخة في نظرتنا الى مستقبل العراق كبلد يمكن ان يعيش على مجموعة من المباديء الاساسية العصرية، فانهم يجب ان يكونوا واقعيين ويحسبوا لما هو موجود على الارض وتحتها وكيف يتعامل الجميع وما في عقولهم مع الواقع، ولكن كل الاشارات تدل على ان الوصول الى الحلول الجذرية لازال بعيد المنال، لكون التقارب المرحلي اليوم هو من صنع الضغوطات الاقليمية والعالمية قبل القناعة الذاتية بالبعض من قبل الطرفين. اي، ان كانت الحلول الترقيعية من نتاج الاخرين فانها ستبتذل في اقرب وقت، وستعود حتى الارضية التي بنيت عليها التوجهات الانية الى التفسخ وسيعاود الطرفان الكرّ مرة اخرى دون ان نحصل على اية نتيجة في المستقبل القريب.

اما اذا كانت النيات صافية حقيقة، فانها ستبان في الخطوات والسلوك الذي يتم وفقه العمل. فالعمل الصحيح من هذا الجانب وفي اطار القناعات التي يدعيها الطرفان تثبتها الخطوات العملية الصحيحة في التقارب والوصول الى الحلول النهائية التي يقتنع بها الجميع شعبا وحكومة . لا يمكن ان ندعي الوصول الى الحلول في جو من التشنج الواضح المبين بين المكونات وبمثل هذه العقليات والنظرات والافكار التي نحملها من جانب، ولا يمكن ابعاد اي طرف او مكون عن العملية السياسية من اجل مكون واحد او اثنين من جانب اخر، فتجربة مابعد سقوط النظام السابق ومواقف الاطراف وكيفية التعامل مع الموجود وفق مصالح ضيقة اثبتت عدم نجاح المواقف ولا جدوى له في الوصول الى المبتغى.

الان امام الكورد والسلطة العراقية اعمال شاقة مرحلية واستراتيجية (الا انني غير متفائل لما اراه من عقول غير متمكنة من العمل بها للوصول الى حلول مقنعة للمسائل التاريخية العالقة ومنها القضية الكوردية) وهو التفاهم العقلاني المبني على مصالح ملحة للاطراف ذات العلاقة جميعا، وبعيدا عن الايدي الاقليمية والعالمية المصلحية (وهنا ايضا غير متفائل لما لا تتصف به السلطة العراقية من الاستقلالية المطلوبة)، وعليه فانني على ثقة بان الحلول جميعها ستكون مرحلية ترقيعية غير مجدية على المدى البعيد وستكرر المآسي على الجميع كما يضوحه التاريخ لنا وما مررنا به وما سنراه مستقبلا. ان كانت النيات صادقة وبعيدة عن متطلبات المرحلة فلابد من:

* تشكيل لجان دائمية لبحث وايجاد طرق سليمة لحل القضايا وبنفس عصري وبعقلية نموذجية بعيدة عن كل المعوقات التي تفرض نفسها اليوم على الاطراف العراقية جميعها وصنعتها العوامل الذاتية والموضوعية التي فرضت نفسها طوال التاريخ على المكونات وبالاخص منذ تاسيس الدولة العراقية بالشكل المعلوم لدينا والتي كانت الايدي الخارجية هي المفصل في تثبيت الامر كما كان ولحد اليوم.

* اختيار اللجان اصعب من عملهم، اي يمكن الاستناد على سيرة الكثير من المثقفين الذين لا يظهروا انفسهم لاي غرض كان ولهم عقلية خارج عصرهم او في مقدمته من الايجابية والنظرة العقلانية الى الاخر في صفوف جميع الاطراف وبالاخص بين العرب والكورد انفسهم، لتكون ارائهم موضوعية وانسانية اكثر من ان تكون سياسية او مبنية على الاراء المسبقة او الفكر والعقيدة التي اوصلت العراق الى هذه الحال .

* يجب ان تلجا اللجان المنبثقة من المستقلين بمعنى الكلمة الى كل الحلول الممكنة ومنها الممنوعة سياسيا كي يستاصلوا المشاكل من جذورها وان وقعت على حساب مصالح احد الاطراف.

* دراسة تاريخ العراق وقضاياه وتوفير الارضية لعمل اللجان ومنح السلطات المطلوبة لهم لعرض اي حل مهما كان ضربا للطابوات المفروضة لحد الان.

وعليه لا يمكن ان نثق باي اقتراب كوردي عربي سياسي بين السلطات الا بعد ان يقتنع المكونين بان النيات صافية وناوية للحلول التي تبعد العودة الى الوراء كما حدث ويحدث الان. ولا حلول نهائية الا بقناعة الاطراف اي المكونات بما يطرح ويفضل من قبل الجميع وما يكون لصالح الجميع بعيدا عن السياسة ومصالح الخارجيين من الدول الاقليمية والعالمية الذين يمتلكون زمام الامور لحد اليوم .

 

عماد علي

 

 

في المثقف اليوم