أقلام حرة

في العراق.. الدين لا يقود الحياة

shakir alsaediبقي حال العراقيين بعد أكثر من أربعة عشر عاماً من سقوط النظام السابق عام 2003، كما هوعليه دون تغير أو تطور جذري يذكر، وإنما الأمور في الكثير من مفاصل الدولة والمجتمع تسير من سيء إلى أسوء، فلا الاعتصام أو التظاهرات المليونية الأسبوعية في ساحة التحرير أو داخل المنطقة الخضراء، ولا الوعظ والإرشاد الديني وخطب الجمعة الأسبوعية للمرجعية الدينية في النجف الاشرف استطاعت أن تنقذ الأمة العراقية من الفشل والتراجع والفساد المالي والإداري، بل بالعكس ازداد العنف العشائري والتطرف المذهبي والظلم والفساد السياسي والمالي والأخلاقي، وهذا يرجع بالدرجة الأولى إلى غياب سلطة القانون والنظام .

الوعظ الديني أغلب الأحيان يهتم بمحاربة الأفكار التنويرية والعلمانية التحررية، فتجدهم منهمكين بالدعوات الإصلاحية الدينية التوجيهية، مثل عدم الاستماع للاغاني أو شرب الخمر أو تناول المخدرات القادمة للعراق من البلدان الإسلامية المجاورة، أو ممارسة بعض الفنون والألعاب والرياضة باعتبارها رجس من عمل الشيطان، وحث النساء على ارتداء النقاب الإسلامي،وطاعة الزوج، وعدم الاختلاط بالرجال، والبقاء في البيت، أو البكاء على التاريخ ورجالاته السابقين، والتركيز على السب والشتم لأمم سادت ثم بادت.

اليوم الدين الإسلامي ورجالاته المتأسلمين في العراق لا يقودون الحياة كما يجب أو كما ينبغي أن تكون، وإنما أصبحوا امتداد تاريخي لحكم العوائل القبلية التي حكمت الأمة العربية والإسلامية منذ سقوط الخلافة الراشدية عام 40هـ الموافق661 م حتى اليوم، لم يتبدل شيء جوهري في عقولهم المتحجرة، فمن عبادة الأوثان والأصنام والمجسمات والغنائم وأخذ الجزية إلى عبادة الأموال والأشخاص نموذجهم الأسطوري في الحياة الدنيا وشفيعهم يوم القيامة، رغم أجراء انتخابات محلية وانتخابات برلمانية، إلا أنها انتخابات يغلب عليها الطابع القبلي والديني - المذهبي المتعصب، وتُعاود الوجوه نفسها علينا كل أربعة أعوام، وكأننا نعيش في دار سينما لمشاهدة أفلام هندية عشقناها منذ الصغر.

باتت الأديان ليست لديها القدرة على تمشية الأمور الحياتية اليومية للأمم والشعوب والأفراد، إذ لا يمكن أن يخاطب المسلمون العالم بلغة الدين والمذهبية المتطرفة وبعقلية التاريخ والحكم الوراثي والتراث الموغل بالحروب والحكام الفاسدين والعقائد المتناقضة .

فلكل مذهب أسلامي تاريخه البنيوي واجتهاداته الخاصة وتفسيراته لمجريات الحياة من عبادات ومحرمات ومسموحات، بل لكل رجل دين فتاواه الخاصة في المحللات والمحرمات، والتي قد تختلف أو تتناقض مع فتاوى رجل دين أخر من ذات المذهب، بل تعدى ذلك وأصبح بالإمكان لأي شخص يرتدي العمامة أو مطلق العنان إلى لحيته أن يفتي بالمسائل الشرعية في المجالس العامة أو في المناسبات الدينية بما فيها إراقة دم الأبرياء، وقتل الناس على الهوية المذهبية أو الفكرية، هذا التوحش لا يستثني دين آو طائفة آو مذهب عن أخر، بل هكذا تفعل الأديان في غياب لغة العقل والعلم والقانون          

المذهبية المقيتة كانت ولا تزال من أكثر الأفكار والتوجهات في العصر الحديث التصاقاً بالتراث الفقهي والاجتهادي والتاريخ لما يسمى بالصحابة والسلف الصالح، عندما وصلت إلى قمة انحطاطها الفكري والعقائدي مع وصول دولة الخرافة والجهل والتدليس والكذب (داعش) إلى مدن وقصبات وعقول المتخلفين من فاقدي البصر والبصيرة في العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان وغيرها من بلاد العرب والمسلمين .

المؤسسات الدينية في العراق اليوم بحاجة إلى تغيير ممنهج وتحَول من مؤسسات حوزوية دينية مذهبية اجتهادية إلى مؤسسات ثقافية توعية خيرية تمد يد المساعدة للفقراء والمساكين، تجنبا من العودة إلى المربع الأول الذي جاء بالقاعدة وداعش إلى العراق، ومن الوقوع في مخالفة القوانين والرجوع إلى مربع الجاهلية الأول المفعم بالنزاعات السلطوية والقبلية وعبادة الأصنام والأشخاص .

إن مشكلة رجال الدين في العراق بغض النظر عن الدين والمذهب أنهم بحاجة إلى دمج وظيفي تعاقدي بالحكومات المحلية والاتحادية، من خلال توظيفهم في مؤسساتها العبادية وعدم تركهم تحت سطوة فلان من رجال الدين والمجتهدين، يغدق عليهم بالأموال والهدايا الواردة أليه عبر التبرعات أو الهدايا الداخلية والخارجية التي قد تمس سيادة وسلامة البلد الأمنية، كذلك نزع العمائم من رؤوس بعض أنصاف رجال الدين ممن تخرجوا من دهاليز الفتنة والفكر ألظلامي المتطرف، والأشراف المباشر على كافة المدارس الدينية والجوامع والحسينيات والكنائس في العراق صغيرها وكبيرها، وعدم السماح للآخرين بفتح دور عبادة خاصة بهم إلا بموافقة الدولة وفي ظل أدارتها المباشرة، لأن البعض منا حول جزء من بيته إلى دار عبادة خاصة به، وأصبح يفتي بما لا يعرف أو لم يفهم علاقة الدين بالدولة في المرحلة الدستورية .

نحن اليوم بأمس الحاجة إلى تًعلم نتائج الثورة المعلوماتية والمعرفة الالكترونية التي غزت عالمنا العربي والإسلامي في العصر الحديث، حتى يمكن للجميع أن يفهموا دينهم بشكل علمي لا يقبل الشك، وليس عبر وجهات نظر شخصية مختلفة ومتقلبة، وان يبتعد رجال الدين من الوصول إلى السلطة وكراسي الحكم،وإنما يتركوها لأصحاب العلوم الأخرى غير الدينية، وأن كان هذا غير ممكن في الوقت الحاضر .

حتى نستطيع بناء بلد موحد ومعافى يرفل بالعز والسلام والحرية، ونبني كذلك حياة شعب يعيش بعزة وكرامة، ورجالات دين ووعاظ ليسوا وكلاء الخالق عز وجل، لأن الدين لله والوطن للشعوب .

وكما قال رئيس وزراء بريطانيا السابق ونسستون تشرشل 1965-1874( كل شعب يستحق الحكومة التي تحكمه ) .

 

شاكر عبد موسى الساعدي - العراق - ميسان

 

في المثقف اليوم