أقلام حرة

وقفة تاريخية مع الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي

علجية عيشيرى الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي وزير الخارجية الأسبق ومؤسس حزب الحرية والعدالة الغير معتمد أن الأزمة لا حل لها إلا عن طريق تجنب سياسة القوة واعتماد لغة الحوار الجاد بين السلطة الحاكمة وبين القوى السياسية ذات التمثيل الحقيقي، إذ يرى أن الجزائر يالوم في حاجة إلى مشروع نهضوي، وقد دعا إلى ضرورة الاعتناء بالأمازيغية كتراث وكأداة تخاطب واعتبرها جزءًا لا يتجزأ من مقومات الشخصية الجزائرية، كما يجب أن يحظى التراث الأمازيغي بالبحث والتنقيب كوسيلة تعبير وثقافة، كونه لا يتنافى أبدا مع البعدين العربي والإسلامي

هل يُبْنَى المستقبل بدون معرفة الماضية؟ سؤال طرحه الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، ويجيب بالقول لا يمكن بناء المستقبل بدون معرفة الماضي واستخلاص منه العبر لتفادي الغلطات، وهو في رأيه نقد ذاتي أو بداية العلاج مع مراعاة خصوصية كل مرحلة من المراحل التي مرت بها الجزائر، وقد وصف الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي مرحلة الإستقلال ومرحلة التصحيح الثوري أيام الرئيس هواري بومدين بالرومانسية الثورية والإرتجال، إلا أنها اتسمت بالضعف كون المسؤولين آنذاك كانوا يفتقرون إلى التجربة الكافية، إلى حد أن تمكن الدخلاء والغرباء التسلل إلى الثورة، وفي صفوف جبهة التحرير الوطني وشيئا فشيئا تمكن الرئيس هواري بومدين من تغيير الأوضاع وبناء هرم إداري كفئ ومنسجم من البلدية إلى الحكومة وبناء قاعدة صناعية صلبة في إطار لا مركزي، لكن المرحلة التي تلت المرحلتين السابقتين كانت شبيهو نوعا ما بالمرحلة الأولى نظرا للسياسة الديماغوجية التي مارستها الجامعة الجزائرية التي أهملت تكوين الرجال، والإبتعاد كذلك عن العدالة الإجتماعية وتفشي الرشوة والجهوية والمحسوبية على كل المستويات مما افقد الدولة مصداقيتها، وأفقد المسؤول هيبته، وخلقت هذه الأمراض أزمة ثقة بين الحاكم والمحكوم وبين السلطة والشعب ومهدت لأحداث أكتوبر 1988 ، وهي السنة التي ترك فيها الإبراهيمي الحكومة.

و الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي نجل البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وهو من مواليد 05 جانفي 1932 ببرج بوعريريج، يعد من أقطاب حركة التحرر الوطني، وشاهد على عصر الثورة الجزائرية، تراس الإتحاد العام للطلبة الجزائريين سنة 1956، عرف بخطابه الذي يزاوج بين الأصالة والمعاصرة، ذاق مرارة السجن أيام الرئيس أحمد بن بلة، وكان صاحب مقترح تأسيس مجلس المحاسبة، حيث حظي بموافقة الأغلبية للترشح للإنتخابات الرئاسية في 1999، كان من ضمن المنسحبين الستة لهذه الإنتخابات، أسس حزبا سياسيا سماه حزب الحرية والعدالة، لكن نظام بوتفليقة رفض اعتماد الحزب، وما زال حزبه غير معتمدا إلى اليوم، رغم أنه واحد من شخصيات حزب جبهة التحرير وعضوا في اللجنة المركزية قبل تأسيسه حزبا سياسيا، فقد كانت له اقتراحات للخروج من الأزمة، خاصة بعد توقيف المسار الإنتخابي في 1992 ، والأزمة عند الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي هي أزمة مركبة متعددة الجوانب، فهي أزمة سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، غير أزمة أخلاقية في المقام الأول، والسبب هو الانحراف عن القيم الروحية التي تسلح بها الشعب الجزائري أيام الثورة، وهي أزمة سياسية بسبب العجز عن توفير الأجواء الملامة لتمكين التجربة الديمقراطية من النمو، وهي اجتماعية بسبب عدم تطبيق العدالة الاجتماعية في توزيع الدخل الوطني,

وللدكتور أحمد طالب الإبراهيمي موقف مسبق من الإصلاحات في محاولة منه للتأقلم مع التحولات التي تعيشها الجزائر، حيث يرى أن هذه الإصلاحات إذا كانت ترمي إلى التفتح وخدمة الشعب الجزائري فهي جديرة بالدعم، أما إذا كانت ترمي إلى خدمة فئة معينة فمآلها الفشل، ونستحضر هنا خطابه الذي ألقاه أمام المؤتمر الإستثنائي لحزب جبهة التحرير الوطني المنعقد في المركب الأولمبي 05 جويلية بالعاصمة في 29 نوفمبر 1989 بحضور الرئيس الشاذلي بن جديد رئيس المؤتمر حيث قال: أن الجزائر اليوم في حاجة إلى مشروع نهضوي، فرغم مرور 29 سنة من إلقائه هذا الخطاب فالجزائر لم تحقق مشروعها النهضوي بعد، وما تزال تغرق في فوضى الإضرابات والإحتجاجات وأزمة المديونية، كما أن منظوماتها تعيش حالة انسداد تام، بحيث تعيش ظروف جد حرجة، وكان الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي قد قدم مقترحا للخروج من الأزمة، رافعا شعار الإستمرارية الذي طرح في مؤتمر الأفلان الرابع، وقال أن الجميع مسؤول عن الأزمة.

   من مواقفه أنه يفرق بين التفتح والإنفتاح، الأول عنده يعني الحوار النزيه والخصومة الشريفة، أما الثاني وهو الإنفتاح فيعني الفوضى، ولذا فهو يرى أنه لا مستقبل في الجزائر لأيّ نظام يحارب الإسلام واللغة العربية، كما أن تدريس اللغة الفرنسية لا ينبغي أن يكون على أساس مذهبي، هكذا يضيف صاحب كتاب المعضلة الجزائرية ( الأزمة والحل) الذي لم يستثن الحديث عن ضرورة الدفاع عن "الهوية" وفي مقدمتها الأمازيغية، فمنذ السبعينيات كان الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي يدعو إلى ضرورة الاعتناء بالأمازيغية كتراث وكأداة تخاطب واعتبرها جزءًا لا يتجزأ من مقومات الشخصية الجزائرية، وكما أن العروبة ملك للجميع لأن العربية لغة القرآن الكريم ولغة الرسول الأعظم، فإن الأمازيغية ملك للجميع أيضا لأن الجميع بربر عربهم الإسلام والتراث الأمازيغي واجب على الجميع حمايته وتطويره، كما يجب أن يحظى بالبحث والتنقيب كوسيلة تعبير وثقافة، كونه لا يتنافى أبدا مع البعدين العربي والإسلامي، والتمسك بالعربية وبالتراث الأمازيغي لا يعني رفض اللغات الأجنبية.

وربما يقف الجميع مع موقفه عندما قال: إن البيت الجزائري يقف على أعمدة أربعة هي: الإسلام، العروبة، الأمازيغية والعدالة الإجتماعية، ويوضح أن الإسلام ملك للجميع ولا يحق لأحد أن يحتكره، والإسلام في جوهره تطور دائم، والإجتهاد مطلوب حتى نتكيف مع عصر العلم والتكنولوجيا، وندخل القرن الواحد والعشرين بجناحين الرجل والمرأة، فالمسألة عنده ثقافية ، والجزائر كما يقول هو عاشت 14 قرنا في ظل الوفاق الثقافي الكامل ولم تطرح المسألة الثقافية كما هي الآن كعنصر تقسيم وتشتيت، ويضرب الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي المثل بأجدادنا إذ يقول: كانوا يتكلمون عدة لهجات في بيوتهم وعندما يتعلق الأمر بالإسهام الحضاري تصبح اللغة العربية هي لغة التعبير وباعتزاز بالإنتساب إلى الإسلام، ولعل دفاع افبراهيمي عن الأمازيغية نابع من إيديولوجيته التي تتباين مع عقيدة فسيفساء التيار الأمازيغي الذي يدعو جزء منه إلى الهوية المؤسسة على الوطنية بلغتيها العربية والأمازيغية وافسلام الوطني المعتدل.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم