أقلام حرة

مسائل متصلة: علاقة الموت بالملكية

عقيل العبودالمسالة السابعة: كيف لك ان تصنع الحياة من الموت، اوالموت من الحياة؟

هنا بعيدا عن المعنى الخاص لما ورد في القران في سورة الملك في قوله تعالى "هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم احسن عملا"، احببت التنويه الى ان هنالك اشكالية تقتضي الإشارة اليها وهي التصور الخاص عن الملكية.

وهو هل ان الملكية مادية المنشأ، ام روحية، ام مادية وروحية معا، فالجسد مثلا موضوعه فيزيائي ملموس، والروح موضوعها خارج عن فيزياء الجسد.

والسؤال، هل ان الموت هو فقدان الانسان لهذه الملكية المادية-الجسد فقط، ام هو استرداد للملكية الروحية بعد موت الجسد، وهل ان الانسان عندما يودع حياته الماديّة وفقا لمعناها القصير، سيلتقي بحياة يتاح له فيها المجال ان يرتبط بملكية اخرى تكان ان تكون مفقودة في الحياة الدنيا؟

والسؤال متعلقه بحياة المؤمن، وذلك بحكم القرينة المشار اليها في الآية المباركة، حيث ان الموت متقدم على الحياة، مع ورود كلمة ليبلوكم، اي ليختبركم، والاختبار هنا خاص بهذا الانسان الذي غالبا ما تراه يحرص على ملكية الدنيا، ويهمل حساب الآخرة، وبما ان السورة مسماة بالملك، فالقضية مقيدة بما جاء في المقدمة أعلاه.  

ومضمون الفكرة هنا، هو كيف لنا ان نفهم معنى الزوال المادي للملكية، وما هو المفهوم المادي للزوال - باعتبار ان هنالك ملكيات اخرى غير خاضعة لمبدأ الزوال هذا

فالإنسان عندما يموت، يفارق أهله وبيته وحاجياته التي يمتلكها، بمعنى ان نشاطه وعلاقته الحياتية بهذه الملكية وما يتعلق بها من خصائص وآثار سوف ينتقل، ويفارق بعده كل شئ، وهذا الفراق هو صورة ، باعتباره يترك اثرا ماديا للميت. ولكن هنالك شئ غير خاضع للارتباط المادي، وهذا الشئ، متعلقه بحاجيات الانسان الروحية، ما اسميه البيت الداخلي لا الخارجي للانسان-ما يتعلق بخصائص

النفس الداخلية، كالإيمان والمعتقدات والنوايا والأعمال الخاصة بالنفس، منها الابتعاد عن اللذائذ الخاصة بالنفس البشرية كلذة المال، والبحث عن الجاه والمظاهر، والغرائز، وغيرها. وبعكسه محبة الاخرين ومساعدتهم، والتفاني في سبيل تحقيق القناعة- الذات المرتبطة بفعل الخير.

هنا ملكية النفس، موضوعه يعود الى الاثار الاجتماعية الطيبة ، فيقال عن فلان انه كريم وصاحب نخوة، ويساعد الناس.

وملخص الامر هو ان عامة الناس يجعلون فاصلا بين الموت والحياة، ويتصورون ان مقولة الحياة موضوعة متكاملة من القضايا-

حيث فيها الفرح والحزن والسعادة والبؤس والفقر والغنى والنجاح والفشل، وكل ما يتعلق بمجرى الوضع الإنساني، بما فيه المناخ والبيئة والسكن، وما يحتاج اليه، هذا الكائن من وسائل خدمة تعينه على تحقيق حاجياته الماديّة، اما الموت بالنسبة لهم فهو انتقال من عالم الدنيا الى الآخرة، وهو انقطاع صلة الانسان بما يرتبط به في عالم الدنيا الفانية. وهؤلاء يعتقدون بقضية الحساب والعقاب. وعلى ضوء هذه القضية يواصلون الطريق الى طاعة الله،

وهنالك من لا يؤمن بوجود حياة بعد الموت، وهذا النوع من الناس، ينظرون فقط الى ما يتعلق بالمادة وما يطرأ عليها بعد الموت، هم لا يعتقدون بموضوع عودة الروح وقضية الجنة والنَّار.

اما النوع الثّالث، وهذا يشكل نخب محدودة من المؤمنين، فهو يعتقد ان الحياة رحلة قصيرة محدودة الامد، وهي انما تم تعيينها من قبل الخالق لأغراض تتعلق بالعبادة والعمل الصالح. وان الانسان راجع الى ربه بعد الموت- وهؤلاء يجعلون من الدنيا ممرا للآخرة، يتسابقون في مرضاة الله،  

وهؤلاء يستصغرون جميع ما يتعلق بامور الدنيا، لا يكترثون بالمال والجاه والمظاهر، ديدنهم حماية أنفسهم من الوقوع في وحل الدنيا الفانية. ولذلك تراهم يتفانون في اداء الواجبات الأخروية طمعا بمحبة الخالق. ومنه التفاني في الطاعة والإيمان.

 

عقيل العبود - ساندياكو

 

في المثقف اليوم