أقلام حرة

نُلْدَغ من جحرٍ واحدٍ ألف مرةٍ ومرة!!

صادق السامرائيالقول بأن "المُجَربُ لا يُجرّب"، كلام سديد حكيم جامع مانع لمن يعقل ويتفكر ويتدبر ويمتلك اللب الرشيد والنهى الحميد.

فالحاذق لا يُجرِّب مرتين، والمؤمن لا يُلدغ من جحرٍ واحدٍ مرتين، والتجربة برهان قاطع ودليل دامغ، ولا يمكن أن يتحقق التكرار ولا تتطور الأفكار، فالتكرار يعلم الحمار، وربَّ حمارٍ صار خبيرا ودليلا للبشر، لأنه يعرف خبايا الطريق بالتكرار والتجريب والإستذكار.

فلماذا لا يتعلم البشر من التجارب، ويعيد أحواله ويأسن في أوجاعه، ويتخبط في دوائر مفرغة من الويلات والتداعيات، ويتناسى أن عليه أن يشق طريقا ويمد جسورا ما بين حاضره ومستقبله، وأن لا يعود إلى ذات النقطة ويتمسك بذات البُغية التي تهلكه وتنهيه.

فالتجارب تصنعنا وتطوّرنا وتقوينا وتمنعنا من إرتكاب الحماقات والأخطاء، فالعقل حفظ التجارب، لكن المشكلة التي تواجه الوعي الجمعي البشري، أن البشر ينقاد لعواطفه ومخاوفه وإنفعالاته، ولديه الإستعداد لتقبل ما يغذيها ويعززها ويستثمر فيها، ولهذا تجده تابعا قابعا مرهونا بما فيه من مستعرات إنفعالية وتأججات عاطفية.

وبناءً على ذلك يتحرك الساعون لإستعباده وإمتهانه ورهنه بما تمليه أهواؤهم وتطلعاتهم الأنانية ورغباتهم الدونية، فتجد البشر بعد أن تغرر وسقط في المصيدة وتورط باللعبة، قد أفاق متظلما متأففا متأوها من الذين فوضهم مصيره وأمر حاضره ومستقبله، كما يحصل في الإنتخابات التي يتحقق خلالها أفظع لعب بعواطف الناس ومشاعرهم لإصطياد أصواتهم، وأخذهم إلى أتون الحرمان والخراب والدمار والحكم بالحاجات والإرتهان بالوعيد والتهديد وفقدان الأمان.

ويبقى الشعراء يرددون:

"لقد جربت هذا الدهر حتى ... أفادتني التجارب والعناء"

و"لقد زدت بالأيام والناس خبرة....وجربت حتى أحكمتني التجارب"

والكتاب يكتبون والخطباء يصرخون والواعون ينادون، والجاهلون يعيدون التجربة ذاتها، ولا يفقهون أو يتعلمون، لأن عواطفهم تقودهم ومخاوفهم تستعبدهم، وإحساسهم بالإنتماء يجبرهم، والخيار يكون لسيدهم الذي يقبض على مصيرهم.

ولا بد من إدراك أن التجربة مستشار حكيم، فمصدر المعرفة هو التجربة والخبرة، والذي يجّرب ولا يتعلم أو يتعظ، فهو من المغفلين المنومين المخدرين المخمورين بأفكار البلاء المبين.

و"إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما في أنفسهم" الرعد 11

ولنذكر أن الحياة عِبر وتجارب، ولهذا قالت العرب : " إسأل مجرّب ولا تسأل حكيم"!!

ترى ألا يكفينا تجريبا وتخريبا، ولماذا نعيد ولا نستفيد؟!!

 

د-صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم