أقلام حرة

الشدة المستنصرية وحكاية اول ارميني علي كرسي الوزارة بمصر

mohamad fathuabdulalكانت الشدة المستنصرية سابقة في تاريخ المحروسة لم يشهد التاريخ المصري ما يوازيها بشاعة حيث انخفض منسوب النيل وماتت النباتات وفقد الناس ارزاقهم وارتفعت الاسعار علي نحو غير مسبوق فيما فقدت الاموال قيمتها ووصلت الازمة الي ذروتها حيث اختفت اللحوم من الاسواق ولم يعد امام المصريين سوي أكل القطط والكلاب ووصل سعر الكلب الي خمس دنايير اما القط فوصل سعره لثلاثة دنايير ومع تعاظم الخطب اكل المصريون بعضهم بعضا!!!!!!حيث كانت تنصب الكمائن في ازقة مصر لاكل المارة !!!

السؤال ما السبب الذي اوصل مصر الي هذه الحالة الخطيرة ؟

كان السبب الرئيسي هو غياب حنكة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله والذي تخلي عن سياسة اجداده في ادارة الازمات والمخاطر وذلك بتوفير مخزون استراتيجي سنوي من الغلة بقيمة مائة الف دينار حتي يستطيع توجيه الموارد اللازمة لمواجهة اية ازمات محتملة ومواجهة احتكار التجار في وقت الطواريء ..كان صاحب نصيحة هذا التخلي عن هذه الاستراتيجية هو الوزير ابي محمد علي البازوي وهذا سبب اخر للازمة وهو غياب القيادات الوزارية التاريخية القادرة علي ادارة الازمات والسبب في ذلك ضعف المستعصم امام جموح امه السيدة رصد النوبيه التي استأثرت بأختيار و بتغيير الوزراء بين ليلة وضحاها والتلاعب في اقدار الدولة علي نحو ساعد في استفحال الازمة...

انتشار العناصر الاجنبيه في الجيش المصري انذاك وعدم تجانس الجيش ادي الي انقسام خطير داخل الجيش حيث تصاعدت حدة التوترات بين العناصر التركية والسودانية فيما كانت هجمات البربر علي اشدها علي الدلتا..كل هذه العوامل بالاضافة لانخفاض منسوب النيل كان لها الاثر الابرز في الشدة المستنصرية..

مات من المصريين في هذه الازمة الطاحنة اكثر من ثلثهم وخلت الشوارع من المارة ووصلت الازمة الي قصر المستنصر حيث فرت امه الي بغداد هربا من الجوع فيما باع المستنصر رخام قبور اجداده للحصول علي الطعام بعد ان خوي قصره من كل شيء الا سجادة تحته وقبقاب برجله !!!!ووصل الامر ان تصدقت عليه ابنة احد الفقهاء برغيفين يوميا ..

الطريف في هذه الازمة هو الموقف النسائي حيث تزعمت ارملة الامير جعفر بن هشام تظاهره نسائية ضد المستنصر بعدما باعت عقدا ثمينا بقيمة الالف دينار من اجل شراء القليل من الدقيق لكن الناس نهبوه منها ولم يبقي منه غير ما يكفي لصنع رغيف واحد فصعدت علي ربوة مرتفعة صائحة في تهكم : (يا أهل القاهرة ادعوا لمولانا المستنصر بالله الذي اسعد الله الناس في ايامه واعاد عليهم بركات حسن نظره حتي تقومت علي هذه القرصه بألف دينار ) وقد حاول المستعصم بعد توبيخ التظاهرة النسائية له في ضبط الاسعار وتوفير الدقيق الا ان الامر قد خرج تماما من يديه ولم يعد يمتلك اي سلطة علي اي شيء بمصر وخرجت املاك امبراطورية اجداده المترامية عن نطاق سلطته .وقد اعتبرت جريدةالتايم الامريكية عام ١٩٤٧ هذه التظاهرة اول مظاهرة نسائية في العالم .

كان الخيار الوحيد امام المستنصر لضبط الاوضاع في البلاد هو استدعاء خادمه القوي والارميني الاصل بدر الدين الجمالي والذي كان واليا علي دمشق وعكا ليتولي الوزاره واعطاه المستنصر صلاحيات مطلقة فأعاد بدر الدين الجمالي -والذي ينسب اليه حي الجمالية في قلب القاهرة - الامن الي مصر وضرب علي ايدي العصاة والمجرمين ونهض بالزراعة واهتم بالتجارة فعادت مصر الي سابق عهدها من الرخاء والاستقرار .

 

د.محمد فتحي عبد العال

 

 

في المثقف اليوم