أقلام حرة

عصر التنوير بين الفيلسوف كانت والسيد السيستاني

او (بين الفلسفة والمؤسسة الدينة انقلاب الادوار)

من المعروف ان تيار الفلسفة هو تيار جارف لكل شيء لا يسلم من عنف نقده حتى الدين اقدس المقدسات لدى الانسان . وهذا التيار ضد الطاعة والخضوع الذي تدعو له المؤسسة الدينية أيا كان انتماء هذه المؤسسة يهودية ام مسيحية ام اسلامية ...الخ. وهي طاعة لأفراد بشرية تأخذ رفعة شرفها من الله تعالى حيث تنتسب له بنسب الاختصاص. وقد افتتح الفلاسفة عصرا جديدا للبشرية ابان القرن الثامن عشر في اوربا سمي بعصر التنوير وعلى راس هؤلاء المفكرين الفيلسوف الالماني امانويل كانت (1724 - 1804) والذي كتب مقال لازال يلهم كل من يدعو الى تنوير العقل وتحرره. وممكن ان نورد بعض الكلمات التي قالها (كانت) لغرض اغناء مقالنا وبيان الغاية منه. يقول كانت: (التنوير هو خروج الإنسان من القصور الذي يرجع إليه هو ذاته. القصور هو عدم قدرة المرء على استخدام فهمه دون قيادة الغير. هذا القصور راجعا إلى الذات إذا كان سببه لا يكمن في غياب الفهم، بل في غياب العزم والجرأة على استخدامه دون قيادة الغير ؛ تجرأ على استخدام فهمك الخاص! إن الكسل والجبن هما السبب الذي يجعل طائفة كبيرة من الناس يظلون، عن طيب خاطر، قاصرين طوال حياتهم، حتى بعد أن تكون الطبيعة قد حررتهم، منذ مدة طويلة، من كل قيادة خارجية، والذي يجعل أخرين ينصبون أنفسهم بسهولة أوصياء عليهم) تجرأ على استخدام فهمك الخاص !! هذا هو شعار التنوير الذي قادته اوربا ووقف على حدودها لنفس الاسباب التي كانت تعيق الفرد الاوربي ! والمفاجئ بل المدهش ان خطبة المرجعية الدينية الاخيرة في العراق هي شرارة لبداية عصر جديد في العراق والعالم الاسلامي، عصر يتسم بعدم الاتكال على المؤسسة الدينية سوى في الامور الشرعية بعد ان كانت هذه المؤسسة هي مرجع الافراد ليس للدين فحسب بل في كل تفاصيل الحياة ومصير الشعوب. بيان السيد (السيستاني) الاخير حول الانتخابات فيه كم هائل من مضامين التنوير التي دعا لها (كانت) في القرن الثامن عشر. والغريب في الامر ان الدعوة الى استخدام العقل وعدم الاتكال على الاخر في تقرير مصيره جاءت اليوم من المؤسسة الدينية نفسها، المؤسسة التي يتكل عليها مجمل افراد الشعب في تقرير مصيرهم والتفكير نيابة عنهم. وهذا مؤشر ايجابي وامر هام لابد ان يعهُ المثقفون والداعون الى التنوير . واعتقد ان هذا الطرح هو نوع من الفتوى الدينية الحديثة التي تدعو الى نبذ الكسل الجبن والطاعة والسكوت، واستعمال العقل من قبل الفرد نفسه في سبيل رسم مستقبل ليس سياسيا فقط بل على كل الاصعدة الحياتية وعدم تحميل المؤسسة الدينية امور دنيوية خارجة عما تختص به.

 

هشام مطشر

 

في المثقف اليوم