أقلام حرة

ظلم الحمار في مقال رائد جبار الموسوم: "الإستحمار الفلسفي"

علي المرهجكتب صديقي د.رائد جبار مقالاً بعنوان "الإستحمار الفلسفي"، مُستعيراً مفهوم "علي شريعتي" في كتابه "النباهة والإستحمار" ورداً ونقداً لرؤيته هذه أقول:

يُعد الحمار من رموز الحكمة لما يمتلكه من صبر وتحمل لكل عنف بني البشر، فالحمار أكثر صبراً وتحملاً للألم، فالحمار حمال أسى الإنسان، الصابر الصبور الوقور حين يكون الحمل أشد مما يحتمل، والحمار ياكل ويشرب مُكتف بما أتاح له الجبار، وهناك من عدَ الحمار رمز للحكمة، وكان حمار جحا خير مثال في التراث العربي عن حكمة الحمار التي تحدث عنها توفيق الحكيم في روايته "حمار الحكيم"، فالحمار هو من كان له فضل الخدمة والنفع حينما لم تكن هناك صناعة لسيارة أو مركبة، والحمار هو من يجر دولاب الناعور، كي تُسقى الأرض، فتكون أكثر انتاجاً وخُضرةً.

الحمار بصمته غلب بني البشر، فعلمهم أن بعضاً أو كثيراً من الصمت كلام، كما يقول أستاذنا مدني صالح، الذي كتب مقالاً بعنوان "لائحة حقوق الحمار"، الذي لم يكن يوماً مُخرباً للبيئة، ولا مسيئاً لصاحبه، يُتقن المحبة والعمل، ولا يُزيد في النهيق إلَا حينما تستفزه رغبات مالكه ورغبته في كثرة العمل، وجمع فائض القيمة وتجويعه، تقتيراً وبُخلاً ورغبة في الغنى على حساب كد وجهد وتعب الحمار.

فلم يكن الحمار بيوم من الأيام مُتجبر قاس، ولم ينتهك حرية أحد، ولكن الإنسان مُتجبر غاشم ينتهك كل الحرمات من أجل تحقيق مصلحة فردية.

لم أجد، ولن تجد حماراً إرهابياً يُفخخ نفسه، فينتهك حرمات الحمير الذين هو منهم، فالحمار يحمل أثقالاً لا يسأل عن قيمتها زهداً بها لأنه راض عن طبيعة الوجود الذي صيَره المبدع فيه أنه حمار، فالحمار لا يعرف لغة التكفير ولا يُتقن إستخدام الطعن والذبح لمُعارضيه.

عُرف الحمار بأنه من مُلهمي الشعراء والفلاسفة، فللشعراء حمارهم "حمار الشعراء" وللفلاسفة حمارهم "حمار الفلاسفة". وقيل أن للنبي حماراً أسمه "يعفور"، لم يطق العيش بعد وفاة النبي فمات، وكانت من عادة العرب أن يُلقب من طال صبره على مُلمات الحياة وخبر التحولات بحكمة بـ "الحمار".

وفي أوربا هناك الكثير ممن يحتفلوا بالحمار، وفي شعر العرب هناك بحر من بحوره يُسمى "حمار الشعراء" هو بحر الرجز.

وفي السياسة ونظام الحكم كان "مروان الحمار" وهو آخر ملوك الأمويين، مروان بن الحكم بن مروان بن أبي العاص بن أمية، وقد سُمي بـ "الحمار" لصبره وحنكته.

وعود على بدء، في إستعارة رائد عبدالجبار مفهوم "الإستحمار" من علي شريعتي، يتبين مقدار ظُلم الحمار عند شريعتي ورائد جبار، فلا وجود لإستحمار فلسفي لتناقض المتداول الشفاهي بين المفهومين "الإستحمار" و"الفلسفي"، وإن إستخدم شريعتي هذا المفهوم للإشارة لمن غيَب عقله، فصار تابعاً لرؤى الغرب الإستعماري، ولم يدر بخُلد شريعتي توظيف (رائد جبار) لمفهوم الإستحمار وربطه بالفلسفة، فالفلسفة فيها بعض مزايا الحمار لا ا"لإستحمار" بحسب التداول السلبي لهذا المفهوم.    

 

د. علي المرهج

....................

للطلاع

الاستحمار الفلسفي / د. رائد جبار كاظم

 

في المثقف اليوم