أقلام حرة

وقفات تربوية الضياع الحقيقي

حشاني زغيديليس الضياع التيه في الفيافي والأدغال ولا هو فقدان وجهة في مدينة متشعبة المسالك . إن الضياع الحقيقي أن تفقد البوصلة فلا تكون لحياتك غاية فيشارك الكائن المكرم الأنعام والدواب في مهامها . يحصل ذلك حين يعطل الإنسان السمع والعقل، وحين يهمل الانسان غاية وجوده، ويهمل الوجهة التي ارتضاها الله لنا، حينها تكون أقل من رتبة الكائنات المذكورة في الآية الكريمة ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ من سورة الفرقان: الآية 44 . ومع أن الأنعام خلقوا هكذا لوظائف وكلوا بها .

إن الضياع أن تسير في الحياة بلا هدف محدد ولا وجهة محددة ‘ن الضياع أن تعي غفلة أو غياب وعي، فتكون هدفا من مستهدفات الآخرين .

إن اضياع أن ترسم هدفا صغيرا تشارك به الأنعام فتأكل وتشرب وتتمتع وفي نهاية نجد النفس قد شاركت الكائنات والمخلوقات التي هي أقل منا رتبة و مكانة وتلك هي مصيبة بعينها .

إن الضياع أن تخطط للفشل وأنت لا تدري. علينا ان نعيد الحسابات ونعيد للبوصلة اتجاهها الصحيح ..

إن الضياع أن ينقطع حبل الوصال بينك وبين خالقك فتفقد البوصلة اتجاهها الصحيح .

أيها المسلم كن دائم الصلة بالله تعالى وليكن دليلك حبيبنا المصطفى عليه الصلاة والسلام وليكن ذلك الحديث اللطيف مع الصديق رضي الله عنه درسا فيه فائدة عملية . عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حَدَّثَهُ، قَالَ: " نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُؤوسِنَا، وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ، أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ؟ "

تلك هي الصلة الدائمة بالمولى عز وجل، صلة تبعث الثقة والطمأنينة في النفس فينتفي معها الخوف تلك الصلة التي سكنت روع أبا بكر وهدأت نفسه وتعززت ثقته .

إن الضياع الحقيقي حين نشعر بالضعف والمهانة وحين تفقد النفس الطاقة الداخلية تلك الطاقة التي تحررها من بواعث الضعف ونداءاته، فتصبح النفس مجرد وسيلة بسيطة يوظفها الآخرون كسند بصري وأداة ايضاح تنتهي صلاحيتها بانتهاء مدة الدرس أو انتهاء المهمة، وهذا في ظني أحقر الرتب .

تساءلت في نفسي، ما الذي يبعث القوة و العزيمة في رجل بسيط ؟ نحيف الجسم، قصير القامة، رث الثياب، ليرتفع قدره عاليا إلى مصاف الرواد وأصحاب العطاء المميز، نعم يحصل ذلك مع الصحابي الجليل ربيعي بن عامر، لا أشك أن العوامل التي ارتقت به إلى هذا المصاف أن صاحبها تعلقت روحه وحياته بأهداف كبيرة كان ثمارها هذه المواقف الشاهدة يحق لكل مسلم أن يقرأ قصته ويستلهم منها الدروس والعبر .

لكم أن تفكروا وتأملوا هذه الكلمات المفتاحية المعبرة التي تحمل كل منها رسائل قوية لذلك الصحابي الجليل مع رستم فرخزاد هو قائد الجيش الفارسي في عهد آخر ملوك الدولة الساسانية يزدجرد الثالث (632 - 651 ولكم أن تتخيلوا ما تحمله كلمة الفرس في ذلك الزمان من مهابة ورفعة شأن . يقول ربعي بن عامر كلمته المدوية والتي علينا قياسها بالأشباه في زمن التردي " إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام"

فأي عزة هذه وأي قوة تصنع امثال هؤلاء العمالقة انها العزة انها الثقة بربِ العباد إنه نتاج تلك التربية الفريدة المميزة .

كعادتي مع أحبائي أحبب أن أعطر مقالاتي ببعض من الرقائق من الشعر لنعلي همتنا ونقوي المعاني التي ترفع الشأن، هي أبيات كثيرا ما نتغنى بها في زمن الشباب لعمالقة الأدب الإسلامي .

الله غايتنا وهل من غاية أسمى وأغلى من رضا الرحمن

وزعيم دعوتنا الرسول وهل لنا غير الرسول محمد من ثان

دستورنا القران وهو منزل والعدل كل العدل في القرآن

وسبيل دعوتنا الجهاد وانه إن ضاع ضاعت حرمة الأوطان

والموت أمنية الدعاة فهل ترى ركنا يعاب بهذه الأركان

فمتى تعود البوصلة لوضعها الطبيعي فيحصل الخلاص من هذا الضياع القاتل ؟ .

 

بقلم الأستاذ حشاني زغيدي

.

 

في المثقف اليوم