أقلام حرة

إرادة الأرض الميمونة!!

صادق السامرائيميمون: مبارك

الأرض تدور ولا تتعب وتطحن الموجودات وتعيدها إلى مبتدءاتها وعناصرها الأولية، وتخلطها بتكرار تخليقي عجيب ومطلق، وهي تمحق ما عليها وتزيله بقوة ما فيها من الطاقات التجددية والقدرات التوالدية المؤهلة لإعادة تصنيع عناصرها الأساسية، وفقا لمناهج تنويعية كامنة فيها.

والأرض لن تبقيَ إلا ما ينفعها، وما ينفعها ينفع خلقها ويديم آلياتها البقائية وعزيمتها الدورانية، بتعجيل يتناسب وما تتصل به في مجموعتها الشمسية الحاضنة للحياة.

ولهذا فأن "...فأما الزَبَدُ فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض..." 13:17

وذلك قانون سرمد ومنهاج أصمد، لا تحيد عنه السلوكيات القائمة أو الحاصلة فوق التراب، بمعنى أن المخلوقات تتفاعل مع بعضها وذاتها وموضوعها، ويترتب على تفاعلاتها نتائج متعددة، تتصارع وتتساند وتفعل ما تفعله، فتخرب وتدمر وتبني وتبتكر وتمضي في دأبها ونشاطها المحموم، لكنها في الختام لا تتمكن من الإبقاء على أي شيئ سوى ما ينفع الخلق.

فالطالح والصالح في معارك وتحديات وتصارعات شديدة، المنتصر فيهما لا يدركه أيٌّ منهما، فواقع الحياة الأرضية أن تتمازج فيها المتناقضات والمصطخبات والغث والسمين، والباقل والحكيم والحرب والسلام، فجميع المتضادات في محتدم عنيف، حتى تنتهي إلى حيث ينتهي أي لهيب أو أجيج، وقد يلد من رمادها ما هو أطهر وأرقى وأنفع للأرض وما تحمله على ظهرها الدوّام.

ووفقا لذلك فأن أي نشاط مهما كان نوعه وطبيعته سيكون خليطا ومزيجا غير متجانس، ستعزل عناصره ومكوناته الأيام الناجمة عن الدوران، وستلفظ منه ما هو جُفاء وستحتضن ما هو نافع وثمين.

وهذا ديدن التفاعلات الأرضية وغاية المخلوقات المتوافدة، بشرية أم حيوانية، فالأرض ذات طاقات طرد مركزي دائب الحيوية والنشاط.

ولهذا فأن الذين يبددون أوقاتهم بالكتابة والكلام عن التوافه القائمة من حولهم لا يأتون بجديد، وعليهم أن يوفروا طاقاتهم لما فيهم من القابليات والمهارات الإبداعية والتنويرية والإقتدائية لبناء الحالة النافعة والمُعافية للناس.

فتجد على سبيل المثال العديد من الأقلام التي لها قيمة ثقافية منشغلة بوصف الواقع على أنه مزدحم بالأدغال والأشواك، وأن الذين يكتبون لا يعرفون ولا يفقهون، وغير ذلك من الطرح السلبي المقيت، وفي ذات الوقت لا تجد لهم إنتاجا يبشر بخير وإغناء للوعي والإدراك، وبهذا السلوك فأنهم ينحدرون إلى مواضع الجُفاء فتلفظهم إرادة الحياة وتطحنهم الأرض، فيكون أثرهم ضارا بينما عليهم أن يكونوا من النافعين.

فما قيمة أن تنتقد الأشجار المثمرة الأدغال والأشواك وغيرها من النباتات المؤذية والسامة والجارحة؟!

إن القيمة الحقيقية أن تعطي الأشجار المثمرة أثمارا طيبة لذيذة تجذب إليها المخلوقات التي تأنس بها وتتمتع بطعمها، فالنخلة تعطي وتتسامق ولا يعنيها ما حولها من الأشواك والأحراش، فتنال الرغاية والعناية من البشر الذي تعطيه أروع ما فيها.

فهل لنا أن نمعن بالعطاء لا بالإزدراء؟!!

 

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم