تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

لا يمكن قهر امريكا دون وحدة الشعوب

هناك دلائل واضحة لافول نجم الامبراطورية الامريكية الى درجة ان كتّاباً معروفين يؤكدون بوضوح على ضرورة سقوط هذه الامبراطورية مثلما سقطت الامبراطورية الرومانية ومثلما سقطت الفاشية الهتلرية. وغالبأ يلجأ هؤلاء الى المقارنة بين السياسة الامريكية والنازية في المانيا قبل واثناء الحرب العالمية الثانية وذلك للتشابه الواضح بينهما. فمع انتهاء تلك الحرب قررت امريكا ان تعلن عن نفسها كشرطي العالم وتفرض قوتها على مختلف الشعوب. فتدخلت اولاً سنة 1947 لافشال الثورة الشعبية في اليونان. ثم انتقلت الى تجهيز تشان كاي شيك بالمال والسلاح لعرقلة الثورة الصينية. ويمكن اعتبار فشلها في الصين كالبداية لتقهقرها.

لقد فرضت امريكا الصهيونية على فلسطين سنة 1948 ومنذ ذلك الحين استخدمت اقصى جهدها في مساندة الدولة الاسرائيلية في حروبها ضد مصر وسوريا والاردن ولبنان وساندت اسرائيل وصوتت لصالحها في مجلس الامن والهيئة العامة ومازالت تساندها في عدوانها على الشعب الفلسطيني المنهوك. ولهذا تحولت الشعوب العربية والاسلامية الى الطرف المعادي لها، وذلك خاصة بعد ان سيطرت على بترول المنطقة دون ان تقلل من تأييدها المطلق لسياسة اسرائيل المعادية لشعوب تلك المنطقة.

في 1950 تم انزال الجيوش الامريكية في كوريا حيث تم قتل 2,5 مليون من المدنيين. ويقول البروفسور كيم هان غيل 'في سنة 1952 وحدها تم قصف العاصمة بيونغيانغ بـ 52,380 قنبلة وفي سنوات الحرب الثلاث نالت المدينة 428.700 قنبلة من نوع النابالم وغيرها، اي بمعدل قنبلة لكل شخص و8 آلاف قنبلة للكيلو متر الواحد من المدينة...'.

وبالرغم من استخدام اقصى جهدها فشلت امريكا في احتلال كوريا الشمالية وكان ذلك انتكاسة واضحة اخرى لعظمتها. ثم استولت على قيادة الحرب في فيتنام نتيجة لهزيمة الجيش الفرنسي سنة 1954، في معركة ديان بيان فو الشهيرة. استخدمت امريكا خلالها اسلحة الدمار الشامل كالغازات السامة، مثل ايجنت اورانج والسارين. وبعد حرب استمرت لعقدين، قتلت امريكا فيها اكثر من خمسة ملايين من اهالي فيتنام ولاوس وكمبوديا، فشلت واضطرت الى قبول الهزيمة.

ثم دخلت امريكا في الحرب في كونغو سنة 1961، تحت علم هيئة الامم المتحدة، ونصبت الدكتاتور موبوتو عليها بعد ان سلمت الرئيس لومومبا الى عميله تشومبي لقتله في مقاطعة كتانغا. لم تتعلم امريكا درسها بل استمرت في حروبها العدوانية في هاييتي وغواتيمالا وكوبا، في خليج الخنازير سنة 1961. ونيكارغوا، مستخدمةً عصابات الكونترا. وفي 20/12/1989 استخدمت الولايات المتحدة جيشاً تعداده 26 الفاً لاحتلال باناما وقتلت 10 آلاف مواطن وتم توقيف رئيس الدولة الجنرال نورييغا ونقله الى امريكا لمحاكمته بتهمة تهريب المخدرات. ونتيجة لهذه الحرب فرضت امريكا نفسها على قناة باناما.

لقد نفذت امريكا الانقلابات العسكرية، في ايران سنة 1952 ضد حكومة الدكتور مصدق، وفي الفلبين ضد الرئيسة اوكينو وفي باكستان ضد ذوالفقارعلي بوتو واندونيسيا، في 1962 ضد الرئيس سوكارنو، والسودان ضد النميري وغانا، ضد الرئيس نكروما، والعراق ضد عبدالكريم قاسم والبرازيل في 1963 وشيلي، في 1973 ضد الرئيس المنتخب اليندي، وغيانا البريطانية، ضد الرئيس المنتخب تشيدي جيغان. ثم احكمت قبضتها على معظم شعوب امريكا الوسطى والجنوبية. هكذا ايقنت شعوب العالم السياسة العدوانية لامريكا واخذت تفكر في ضرورة مجابهة هذه السياسة دفاعاً عن نفسها ودفاعاً عن حقها في الحياة الحرة الكريمة.

لقد فتح احتلال افغانستان والعراق عيون الشعوب، بما في ذلك عيون الشعب الامريكي، الى درجة اخذ الكتاب والمفكرون ينذرون بانهيار الامبراطورية الامريكية العملاقة. في حربها غير الشرعية على العراق استخدمت امريكا اكثر من الف طن من اليورانيوم المنضب وارتكبت الجرائم الاخلاقية البشعة في ابو غريب وقتلت الابرياء في الحديثة والقائم وتلعفر والبصرة والنجف ومدينة الثورة. لقد استخدم الجيش الامريكي القنابل الفسفورية المحرمة في الفلوجة التي شوهت الاجنة. بالرغم من كل ذلك تشير الاحصائيات الرسمية الامريكية نفسها الى نجاح المقاومة العراقية البالسلة في قتل 4486 من الجيش الامريكي المدجج باحدث الاسلحة وجرح اكثر من 30 الفاً منهم. لقد انهارت معنوية الجيش الامريكي في العراق فانتشرت الامراض العصبية بين اكثر من مئة الف منهم. ثم جاءت التقارير الطبية لتشير الى انتحار الجنود الامريكيين العائدين الى بلادهم بمعدل ثلاثة جنود في اليوم. تؤكد هذه التقارير على ان هذا المعدل يعتبر ثلاثة اضعاف المعدلات السابقة. هذه الحقائق اجبرت الامبراطورية الامريكية على الانسحاب من العراق دون ان تجرؤ على الاعتراف بهزيمتها.

بعد حرب الكويت مباشرة قرر جورج بوش الاب ارسال قواته الى الصومال سنة 1991 لقتل 5000 صومالي ثم تركها الرئيس كلينتون بعده مذعوراً، دون انهاء الحرب الاهلية فيها. لقد كان الانسحاب الامريكي من الصومال دليلاً آخر على انتكاستها وعدم قدرتها على قهر الشعب الصومالي الفقير. ومع انهيار المعسكر السوفياتي تدخلت امريكا عسكرياً في يوغسلافيا ونجحت، بقوة السلاح، في تقسيم هذا البلد الى ست دويلات صغيرة لا حول لها سوى الخضوع لجبروتها. تبع ذلك العدوان على كوسوفو، بصورة غير شرعية، دون اي قرار من مجلس الامن بحجة احتمال استخدام روسيا حق الفيتو لايقاف امريكا عند حدها.

لقد احتلت امريكا افغانستان قبل العراق بثمانية عشر شهراً وما زالت تكافح دون جدوى. لقد انهارت معنويات جنودها الى درجة اللجوء الى الاساليب الهمجية. فالتبول على جثث الموتى وحرق القرآن والهجوم ليلاً على بيوت الناس وقتل 16 عشرة منهم، بينهم 9 اطفال في قرية نائية، هي الديمقراطية التي قدمتها الامبراطورية الى الشعب الافغاني. هذه الظواهر تؤكد اصابة الجنود بالانهيار الميداني. انهم يقولون لقادتهم بأنهم يرفضون الضبط العسكري ويرغبون العودة الى بلادهم. تشير الاستفتاءات العديدة الى ان الاكثرية الواضحة من الشعب الامريكي اخذت تخجل من التصرفات الجبانة لجيشها وتطالب الانسحاب من افغانستان حفظاً لماء الوجه.

ان بوادر الانتكاسة الامريكية تتضح حين ترفض المؤسسة الحاكمة ان تتعلم الدروس من تجاربها. فبالرغم من فشلها الذريع في العراق وافغانستان فهي دعمت العدوان على ليبيا ثم تدخلت في الشؤون الداخلية لدولة مستقلة حين طالبت السيدة كلينتون اعوانها عدم القاء السلاح في الحرب في سوريا، حتى بعد ان وافق حلفاؤها في الجامعة العربية على انهاء القتال واللجوء الى الطرق السلمية. ليس هذا فقط بل يكرر مختلف قادة امريكا ضرورة العدوان على ايران بحجة منعها من انتاج الاسلحة النووية، في حين تملك اسرائيل ترسانة ضخمة من القنابل الذرية.

ادركت امريكا فشلها في السيطرة على العالم ولهذا عملت على تفريق الشعوب المناوئة لها. فحالما شعرت بقوة المقاومة في العراق قررت تفتيت جهود الشعب فيه عن طريق بث التفرقة العنصرية والطائفية بين العرب والاكراد من جهة وبين السنة والشيعة من الجهة الاخرى. ثم قامت بتسليح بعض رؤساء العشائر السنية بل وقطاع الطرق في ما يسمى بمجالس الصحوة. وما ان حققت بعض النجاح حتى قررت تقسيم كافة شعوب المنطقة مستخدمة سلاح الطائفية ثم توجيه اعوانها الطائفيين في الخليج ضد ايران وسوريا.

ان ما ورد اعلاه يؤكد على السياسة العدوانية لامريكا ويشير ايضاً الى فشلها في العديد من حروبها. الا انها ما زالت هي القوة العظمى الوحيدة في العالم. وللحفاظ على موقعها الفريد تصرف الحكومة الامريكية 720 مليار دولار في السنة، كل سنة، لشراء السلاح. فسقوطها، مثل الامبراطورية الرومانية، اوهزيمتها، لا يتم الا بتوحيد كافة الشعوب التي عانت الويلات من حروبها. ثم ان الحروب هذه، وما تبعتها من الفاقة والبطالة وانهيار الاقتصاد الوطني، اجبرت على خروج الملايين من اوطانهم المنكوبة الى بلدان اخرى. ففي 16/9/1999 افادت وكالة الانباء الفرنسية بأن المفوضية العليا للاجئين اكدت 'ان هناك 22 مليون لاجئ في العالم نتيجة للحروب منهم سبعة ملايين افريقي'. ثم هاجر مليونان من العراق وخمسة ملايين من افغانستان لتجنب الموت والاضطهاد. وفي تقرير لهيئة الامم المتحدة في مطلع هذا القرن هناك الان 135 مليون انسان يعملون خارج اوطانهم مع 35 مليون آخرين يعيشون في الخارج بصورة سرية. اذن تدهورت هذه الشعوب بعد أن خربت امريكا اوطانهم فاصبح توحيد جهودهم في المعركة واحدة من اهم مستلزمات الدفاع عن النفس.

هناك الآن ازمة اقتصادية خانقة في الغرب عامة وفي امريكا خاصة. فقد بلغت ديون امريكا 14 ترليون دولار وبلغت البطالة فيها 9%من الايدي العاملة. ثم ان انهيار معنويات جنودها في افغانستان وانتعاش الحركة التحررية في كولومبيا وفنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا ونمو الوعي التحرري في عموم الشرق الاوسط تقف حائلاً امام المستعمرين الامريكان في اشعال الفتن الجديدة. فالظروف الموضوعية عموماً تبشر بنهضة حركات التحرر على شرط التخلص من الخلافات الطائفية والدينية والقومية بغية توحيد

 

كمال مجيد

 

 

في المثقف اليوم