أقلام حرة

الأجيال المتناسفة!!

صادق السامرائينسف الشيئ: إقتلعه من أصله وفتته وهدمه وأذراه.

العرب عموما والعراقيون خصوصا يتحقق في واقعهم سلوك تناسف الأجيال، أي أن الجيل السابق ينسف وجود الجيل اللاحق، وكأنها عدوانية كامنة ذات تطلعات إمحاقية وإلغائية سافرة ومتوحشة أحيانا، وقد تنقلب الصورة بسببها فينسف اللاحق السابق، وهكذا تمضي آليات التفاعل ما بين الأجيال المتواكبة إلى ميادين المشاكل المقيمة والتعضيلات المستديمة.

أقول هذا وما وجدت ما يشير إلى أن الأجيال تتكاتف وتتوالد وتعاضد بعضها، وتبني مستقبل وجود وطني وإنساني وحضاري، فلو توجهنا إلى الثقافة والأدب، لقرأنا مئات المقالات والتصريحات لجيل سابق يتهجم فيها على أجيال لاحقة وينفي إبداعها ويسفه عطاءها، ففي عرفه لا شعر ولا قصة ولا مقالة ولا لغة ولا أي إضافة ذات قيمة، لأن الأجيال اللاحقة بلا ثقافة ولا مواهب، ولا قدرات على الإبداع النوعي الأصيل، وإنما ما يكتبونه عبارة عن هباء منثور، وتعبيرات عن إنحطاط فكري ولغوي.

ويمعنون بالتمترس الجيلي، وفي هكذا مواقف تعارض مع طبائع الأمور وبديهيات التفاعل البشري، ذلك أن الأجيال مولودة من أرحام بعضها، فإذا كانت الأجيال اللاحقة فقيرة لغويا وثقافيا، فهذا سببه الأجيال التي سبقتها لأنها لم تتحمل المسؤولية، ولم تبني المنظومة الثقافية الكفيلة بالحفاظ على مستوى متقدم من الوعي والإدراك المعرفي والإبداعي.

وعليه فأن المنتمين لجيل سابق يجب أن يستفيقوا من الهذيان الذي يملؤون به السطور ، فيتوهمون بأنهم الأرقى والأعرف ويتناسون بأن لهم يد ضالعة بثقافة الأجيال، التي يصفونها بما يحلو لهم من الأوصاف السلبية، فالعيب فيكم أولا وفي الأجيال من بعدكم ثانيا، وأفظع عيبٍ مستفحل في النفوس هو النرجسية والأنانية وإغفال قيمة ودور التفاعل الإيجابي مع الأجيال المتوافدة.

وهذه الظاهرة تكاد تكون غائبة في المجتمعات المتقدمة، لأن الأجيال تشعر بالمسؤولية ويأخذ كل جيل بيد الجيل الذي يأتي من بعده، وبذلك يرسمون لوحة تكاتف الأجيال بإرادة حضارية متنورة ومؤكدة بالتفاعل الإيجابي الخلاق.

فهل لأجيالنا أن ترعوي، ولمن يمثلونها أن يستشعروا المسؤولية ويؤدوا الأمانة، بدلا من الكلام الفارغ الغثيث الذي لا ينفع إلا الخسران؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم