تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

لا علاقة لحكام العراق الانانيين بالديمقراطية

في تصريح لعادل عبد المهدي، حين كان نائبا ً لرئيس جمهورية الاحتلال في العراق، نقلته القدس العربي في 20/8/2010، اعترف فيه بأن عليه وعلى بقية المشتركين في العملية السياسية ان يشعروا (بالخجل من الطريقة التي قدنا بها البلد) ثم يتهم الطبقة السياسية، التي تقطن المنطقة الخضراء في بغداد، بالانانية والجشع وحب السلطة. لكن السياسي المحنك عادل، الذي بدأ حياته كبعثي ثم انقلب الى الشيوعي، جناح القيادة المركزية، ومن ثم الى المسلم الاصولي، كان يعرف اقطاب العملية السياسية منذ عقود وكان هؤلاء معروفين ايضاً عند ابناء الشعب العراقي من جهة وعند المهتمين باوضاع العراق قبل الاحتلال. فالكتل السياسية التي انخرطت في معارضة النظام السابق اتت الى الوجود لا دفاعاً عن العراق كوطن لها ولا لنشر الديمقراطية كنظام، بل لاغراض انانية وانعزالية بحتة. وابسط برهان على ذلك هو اعتمدها على القوى الاجنبية بل الاستعمارية منذ البداية.

ففي سنة 1961 رفع الحزب الكردي لمصطفى البارزاني وجلال الطالباني سلاح شاه ايران ضد حكومة عبدالكريم قاسم لا للدفاع عن العراق ووحدته ولا حتى للدفاع عن حقوق الاكراد بل لاسقاط الحكومة واعادة السيطرة الاستعمارية الى البلاد. لقد اعترف جلال الطالباني بهذه الحقيقة في مقابلته مع مجلة الوسط اللندنية (العدد 357 في 20/11/1998). هكذا بدأت الحرب الاهلية في العراق وذلك بالرغم من قيام عبد الكريم قاسم بكتابة الدستور العراقي الجديد وسطر فيه كون (العرب والاكراد شركاء في هذا البلد) لقد بلغت الانانية في صفوف الحزب الكردي الى الحد الذي انشق فيه جلال عن البارزاني وحمل سلاح البعث لمحاربة الاكراد وقتلهم. وكذا الحال مع الطائفيين من امثال محسن الحكيم واولاده وباقر الصدر واعوانه الذين تعاونوا مع شاه ايران ثم اسسوا حزب الدعوة الاسلامية لا للدفاع عن الوطن بل لمحاربة الشيوعية التي كانت منتشرة بين اغلبية الجماهير. فقبل كل شئ لابد من ذكر ما كتبه الجنرال العراقي عبد الغني الراوي في طهران في مذكراته بتاريخ 22/1/1980 الصفحات 15 الى 21 وهو يقول بأن الجانب العراقي من مؤامرات الشاه كان يشمل (مصطفى البارزاني ومهدي الحكيم (ابن محسن الحكيم) وحسين الصدر(الموجود في المنطقة الخضراء حالياً) وسعد صالح جبر وعبدالرزاق النايف وابراهيم الداود ...) وكانت اتصالاتهم مع الشاه مباشرة وكذلك (مع الجنرال نصيري (رئيس السافاك) والجنرال معتضد والجنرال فرازيان ومنصور بور)

ان انعزالية هؤلاء كانت علنية وعمدية واضحة للجميع. فاعضاء الحزب الكردي كانوا من الاكراد وحدهم، دون العرب او التركمان، بينما كان حزب الدعوة والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية مختصين بالشيعة، دون السنة او المسيحيين اوالصابئة او اليزيديين.

ان تصرفات هذه الكتل اضافة الى اعمال حزب البعث العربي الحاكم دفع المجاميع الاخرى ايضاً نحو الانعزالية فتكونت احزاب تركمانية تختص فقط في شؤون التركمان واخرى اشورية او مندائية وهكذا. واتجه هؤلاء كلهم الى المستعمرين الانغلو - امريكان الذين مولوهم بالملايين واستخدموهم لاحتلال العراق.

بمرور الزمن فقدت هذه الاحزاب احترام الشعب حتى قبل الاحتلال لعدة اسباب ، منها:

1 – عدم نجاحها في تحقيق اي نصر ضد الحزب الحاكم واصبحت مباهاتها بالتضحيات التي قدمتها وسيلة للتغطية على افلاسها.

2 – وقوفها موقف المتفرج خلال الحرب العراقية – الايرانية والاكتفاء بالكلام ضد الحرب دون القدرة على التأثير على الجهات المتحاربة. او لأنها انضمت الى الجانب الايراني الذي احدث اثراً سلبياً بين الناس وبين كوادر هذه الاحزاب، خاصة بعد احتلال قوات جلال لحلبجة الكردية، قادمين من ايران، وما تبع ذلك من جريمة قصف المدينة بالقنابل الكيمياوية.

3 - وقوفها الى جانب العدوان الانغلو – امريكي اثناء حرب الكويت وبعد الحرب اعتمادها على وكالة المخابرات المركزية ومؤتمرها الوطني مع احمد الجلبي.

4 – لكل حزب سياسة محدودة خاصة به دون غيره فغرض الحزبين الكرديين هو تمزيق العراق بينما يعمل الاحزاب الشيعية الانفراد بالحكم واستثناء السنة ومعاملتهم كمواطنين ثانويين.

لقد كتب الكثيرون يشرحون الانانية والانعزالية عند هذه الاحزاب. فيقول باقر ابراهيم، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي بين 1962 و 1984 في كتابه (جديد الحركة وتجديد الطلائع، 1996): (ان التمزق والضياع السياسي وازمة الثقة تشمل جميع الاحزاب والمؤسسات السياسية، حاكمة ومعارضة، كردية وعربية، ماركسية واسلامية، قومية وليبرالية، ولعنات الكل تنصب على الكل)

وايد العقيد الركن عزيز قادر الصمانجي، رئيس الحركة التركمانية الوطنية – الديمقراطية، هذا الرأي في كتابه (التأريخ السياسي لتركمان العراق، 1999) بالقول: (ولاشك ان لهذه الحالة المزرية من الفرقة والتشرذم التي تعاني منها المعارضة العراقية في كل اطرها السياسية اسبابها ودوافعها... منها الركون الى هذا العامل الدولي او الاقليمي او ذلك، كما خلقت جواً مواتياً للاستغلال وتحقيق مكاسب مادية واغتنام فرص الاثراء من قبل الانتهازيين والطارئين الذين اندسوا في المعارضة ... وافرزت ظاهرة الدكاكين السياسية... وينبغي ان لا ننسى الدور المؤثر الذي تلعبه نزعة القيادة والزعامة في خلق الحساسيات والخلافات وتعميقها، وقد تجلى ذلك الدور على اشده في النزاع الكردي/الكردي.) والعقيد الراحل عزيز كان محاميا ً وسياسيا ً و كان يعرف مشاكل المعارضة لأنه كان يعمل معها ويجتمع باطرافها داخل السفارة الامريكية بلندن وخارجها.

هذه الادلة تؤكد على ان الذين دخلوا العراق على الدبابات الامريكية لا يستطيعون تنفيذ الديمقراطية في بلد محتل وقد شرح المقال الافتتاحي لجريدة الاوبزفر اللندنية ليوم 20/12/1998 ذلك بالقول:

(انها سذاجة متطرفة التفكير بأن النظام الجديد (بعد حكم البعث) سيكون ديمقراطياً رأسمالياً ليبرالياً ... وهناك مجاميع المعارضة التي لا تتعدى عن كونها رهوطاً من المافيا ...ان من يسيطر على الحكم بعد صدام سيواجه نفس المشاكل الداخلية ... فالخيار ليس بين دكتاتور وديمقراطي انما الخيار الموجود هو بين عدد من الدكتاتوريين المتنافسين) لقد اثبتت سنوات الاحتلال وما تخللتها من القتل و"الانتخابات " المخجلة صحة هذا التخمين، فاعتراف عادل عبد المهدي بالذنب جاء بعد خراب البصرة.

تحت عنوان (احتمالات قيام نظام حكم ديمقراطي في العراق) كتب الدكتور خلدون النقيب في القبس الكويتية في 13/12/1998 قائلاً: (اعتقد، استناداً الى قراءة المؤشرات السياسية الحالية، ان ليس هناك احتمال، عملياً، لقيام حكم ديمقراطي في العراق حتى بعد انهيار النظام الحالي. وهذا ما يدعونا الى اعادة النظر في حساباتنا لمقاومة قيام نظام تسلطي دموي آخر في العراق يستسلم هذه المرة لرغبات الدول الغربية... ليس هناك اية عناصر او مقومات موجودة او يمكن ايجادها في وقت قصير في بيئة المجتمع العراقي فاحتمال قيام حكم ديمقراطي يشير الى انه سيكون حكماً مقيداً، وبتدخل اجنبي غير محايد ...) وبخصوص المعارضة العراقية يقول: (والحقيقة، التي مازال يصعب على زعامات المعارضة في الخارج تقبلها، وهي انهم مجرد ادوات يستعملهم الغرب للضغط على نظام حكم صدام... وزعامات الاكراد ذاتها ليست ديمقراطية في التفكير او في التركيب، فهي مكونة من الاغوات القبليين، مع اختلاف اغلفتهم، او عباءاتهم السياسية.) ثم يؤكد: (ان المطالبة بحكم ديمقراطي في العراق غير ممكن الحدوث في وقت قريب، وهذا الحكم يبقى صحيحاً حتى في حالة انهيار الحكم الحالي ... وجميع حسابات الاحتمالات تشير الى ضآلة الدور الذي يمكن ان تلعبه المعارضة الخارجية في النظام الانتقالي الجديد.)

ثم وضعت ايلين ويلسون، نائبة رئيس المجلس القومي للاستخبارات التابع لوكالة المخابرات المركزية الامريكية النقاط على الحروف حين اكدت على ان (العراق (بعد صدام) لن يكون ديمقراطياً بالتأكيد. وان ذلك قد يستغرق سنوات عديدة.) واضافت (ان الديمقراطية عملية بطيئة ولا تحدث بين عشية وضحاها.)  راجع ألقدس العربي في 16/2/ 1999)

لم يستطع عادل عبد المهدي، في تصريحه لنيويورك تايمز، استثناء نفسه عن بقية الساكنين في المنطقة الخضراء اذ انه كان من ابرز الذين دعاهم الرئيس جورج بوش الى البيت الابيض. ثم انه اعترف بسطو حراسه، قبل احد الانتخابات، على مصرف الزوية لسرقة الملايين. فالاعتراف بذنوبه وذنوب اصحابه المشتركين في العملية السياسية جاء لأنهم فشلوا في تقديم خدمة ايجابية لاسيادهم المحتلين وكانوا عاملاً مهماً في فشل امريكا في تحقيق اي شئ مفيد للعراقيين. فلم يبق امام عادل واتباعه، أمثال المالكي والجعفري وعلاوي والعبادي والبارزاني...، سوى ترك العراق بالانضمام الى الجنود الامريكان الذين تركوه سنة 2011 بعد ان اصابوا بخيبة الامل. عليهم ان يدركوا ان الشعب العراقي ادرك عمالتهم وحقيقة انتخاباتهم, عليهم ان يتجنبوا عقاب المقاومة العراقية الجديدة التي ستجازيهم بالدرس الذي يستحقونه.

 

كمال مجيد

 

 

في المثقف اليوم