أقلام حرة

الإعتراف بالخسارة فضيلة ديمقراطية!!

صادق السامرائيكنا نغرق في المثالية الديمقراطية ونعيش نوعا من الفنتازيا الفكرية، عندما حسبنا أن الأخوة الجالسين على كراسي السلطة الغالية جدا، سيؤمنون بالإنتخابات كممارسة ويقرون بحق الإنسان العراقي، وسيعبرون وفقا لأصول إحترامه وتقديره عن وقوفهم معه وتأكيدهم لصوت إرادته.

كنا نتخيل بأن الخاسر في الإنتخابات سيبادر فورا للإعتراف بخسارته وتأيده لحق المواطن في الإختيار، ويقول بوضوح مبروك للفائز أو الفائزين، وأنا أقرّ بخسارتي وسأعمل بكل ما عندي من طاقات وقدرات لتحقيق إرادة المواطن العراقي العزيز، وأن يؤازر الفائز في الإنتخابات ويعمل معه من أجل العراق.    

توهمنا بذلك، لأننا حسبنا الديمقراطية سلوك وليست خطبا وأقوالا وشعارات، وأقنعة تخفي وراءها أبشع أنواع وخصائص الطغيان والإستبداد والتبعية والخنوع.

حسبنا ذلك لأننا رأينا وقرأنا وتابعنا على شاشات التلفزة، كيف أن السيدة كلنتن، وبعد الجهد والعناء والجد والإجتهاد والتضحية، وجدت أن منافسها يتقدم وأن المصلحة العامة تقتضي إنسحابها، فأعلنت ذلك وأقرّت بالعمل معه من أجل الأفضل.

وكذلك تابعنا كيف أن السيد مكين منافس أوباما في جولة الإنتخابات على الرئاسة، عندما أعلنت نتائج الإنتخابات، بادر بسرعة بالإعتراف بفوز خصمه وأقرّ بخسارته، وقالها بوضوح بأنه سيعمل معه من أجل تحقيق الأحسن لبلاده.

أ ليست هذه هي الديمقراطية كممارسة إنسانية حرة وإيمان ووعي متقدم ؟

إن الإقرار بالخسارة أو الهزيمة ممارسة إنتخابية أساسية وأصيلة، فإذا لم تتحقق فهذا يعني أن الإنتخابات ستكون وسيلة للإحتراب والتناحر وتدمير المجتمع.

والإقرار بالخسارة أو الهزيمة ممارسة ديمقراطية، ولا يمكن للديمقراطية أن تكون إن لم يمتلك الإنسان هذه الروحية الوطنية المسؤولة.

فالإقرار بالخسارة أو الهزيمة فضيلة ديمقراطية ونكرانها من أبشع الرذائل الديمقراطية.

وكم كنا نحلم أن يظهر مَن في سدة الحكم ويعلن إعترافه بالخسارة ويهنيء الفائز، ويسعى للعمل معه من أجل عراقٍ أفضل.

ولكن من حقنا أن نتساءل لماذا لا نتفاعل مثل باقي المجتمعات التي تسعى لتحقيق مصالحها الوطنية، وبناء مستقبلها الزاهر الذي يكفل الحياة الكريمة المطمئنة لجميع أبنائه؟

وليجتهد القارئ في الجواب !

ترى ماذا سيحصل لو تحقق ذلك؟

لو حقق هذا الحلم أي جالسٍ على كرسي لعاش كبيرا في عيون جميع الناس، ولأرسى لبنة ديمقراطية خالدة ومؤثرة في الحاضر والمستقبل، ولكانت كلمته وموقفه من الأعمال الوطنية الباقية، والتي تدعو إلى الفخر والقوة والإيمان بالوطن والحياة.

ترى لماذا لا نمتلك هذه العقلية والروحية الوطنية الإنسانية، ولماذا نبقى عبيدا للكراسي، فننسى الوطن والمواطن ونغرق في أوهامها حتى نحترق فيها، كما حصل لجميع الذين جلسوا على كرسي السلطة المشؤوم.

نعم كنا نحلم، لكننا سنبقى نحلم حتى نعيش حلمنا ونرى مَن يلعن الكرسي ويؤمن بالوطن والمواطن وحقوقه وحريته وكرامته وإنسانيته.

نعم سنبقى نحلم، بالمسؤول الذي يفكر بعقل المواطنين ويرى بعيونهم ويعيش معاناتهم ويتحسس آلامهم، ويمهد لهم الطرق لتحقيق طموحاتهم وتأكيد أسباب مستقبل أجيالهم السعيد.

نعم سنبقى نحلم، لأن العراقي أصيل، ولا بد لأرحام الأمهات العراقيات أن تلد أصيلا صادقا ساميا، يعطي دروسا ويكون قدوة للفضيلة والخير والجد والإجتهاد الوطني الصحيح.

فعدم الإقرار بالنتائج يؤكد أن الفاعل مرهون الإرادة وأنه لا يتمتع بحريته، وإنما أسير إملاءات متنوعة يحاول أن يؤالف بينها، ولهذا فهو من الذين قيّدوا بالكرسي وصاروا حطبا لنيرانه الملتهبة.

والمشكلة أننا لا نعرف الديمقراطية ولا نمتلك روحيتها، بل ولا نؤمن بها، فهي ليست من صلب تكويننا وثقافتنا ولم تمس شغاف قلوبنا، بل جرعتنا الأمرار ونحن نلوك كلماتها، ونحسبها أكذوبة معاصرة لتحقيق مآرب المفترسين لنا والعابثين بثرواتنا ومصيرنا.

فهل من روح ديمقراطية وطنية يا أولى الألباب؟!!

 

د. صادق السامرائي

....................

* هذا المقال منشور قبل أكثر من عقدٍ من الزمان لكنه يبدو لا يزال صالحا للنشر!!

 

 

في المثقف اليوم