أقلام حرة

زلة مقال أم تجاهل لمسؤولية الكاتب؟

نشر ا. د محمد الدعمي في صحيفة المثقف مقالا بعنوان (ما الذي يشغل أميركا اللحظة؟)، وقد فاجأنا في خاتمته بموقفه الموءيد لاجراءات ادارة ترامب بفصل أطفال اللاجئين عن ذويهم، وحبسهم فيما وصفته التقارير والفيديوهات المسربة أقفاص كلاب، وقطع جميع سبل التواصل مع ذويهم، بل عدم تزويد الاهالي بأية معلومات عن الاماكن التي سيرحلون لها أطفالهم، ليس هذا فحسب بل جرت محاكمات لأطفال لم يتجاوزوا الثالثة دون حضور ذويهم أو محامي دفاع، وهي كوميديا سوداء لم تحدث حتى في أكثر البلدان تخلفاً.

قد يبرر الكاتب موقفه بانه يندرج ضمن حرية الرأي، إلا أن القلم الحر مشروط بمحددات تفرضها منظومة القيم و المعايير الانسانية التي تشكل جوهر حضارتنا المعاصرة، وان على الكاتب مسؤولية حساسة أمام القراء على اعتباره مصدراً معرفياً مؤثراً.

رغم المعارضة الواسعة لاجراءات ادارة ترامب إزاء اللاجئين من قبل عدد كبير من الناشطين المستقلين ومنظمات حقوق الانسان وغيرها، بجانب رموز هامة من الحزبين الجمهوري و الديمقراطى معا،ً إلا أن الاستاذ محمد ولغرض اخراج القضية عن سياقها الأنساني يقول: انها ألبست لبوساً سياسياً وحزبياً، والمفارقة أن ترامب وبفعل الضغوط الشعبية وما كشفته الصحافة الاستقصائية من فضائح اضطر لاصدار قراره بوقف عزل الاطفال عن ذويهم، وبهذا ترك كاتبنا وحيداً في موقفه المؤيد، فصحّ القول أنه جاوز في ملكيته الملك.

كان على الكاتب قبل الشروع بكتابة مقالته ان يصرف لحظات من التأمل متخيلاً أن الطفل الملقى على الارض في أقفاص الكلاب ولده أو حفيده ، فان لم تحفز تلك الصورة مشاعره، فلنسأل معه: لم تتجشم تلك العوائل مخاطر الطريق من بلدانهم الى حدود أميركا؟ ما هي المخاطر والمعاناة التي جعلت عيشهم في بلدانهم مستحيلاً؟ وهل للولايات المتحدة دور في تخليق أجواء الخوف وانعدام الامن وانتشار الفاقة والبؤس في دول أميركا اللاتينية، وخاصة السلفادور وغواتيمالا والهندوراس وهي البلدان التي قدم منها معظم اللاجئين في الشهور الأخيره؟.

منذ بداية القرن العشرين لم تتوقف التدخلات الامريكية في تلك البلدان للتحكم بثرواتها وبكل تفصيلات الحياة السياسية والاقتصادية فيها، وبالتحديد بعد أن أعاد ثيودور روزفلت تفسير نهج مونرو مدعياً ان ضعف حكومات اميركا اللاتينية يشكل إغراء لاحتلالها من قبل الدول الأوربية، مما يتعين على الولايات المحتدة (حماية شعوبها)، وفي هذا الامر لا أجد ضرورة للولوج في التفاصيل التي أصبحت في عداد المعلومات العامة، ودونت فيها عشرات الكتب، بل و كشفت المخابرات المركزية على صفحتها الرسمية الكثير من الوثائق عن نشاطاتها وخططها هناك.

العدد الاكبر من اللاجئين في الشهور الاخيرة قد فروا من الهندوراس، فلا بأس أن نذكّر بايجاز بما جرى لهذا البلد في العقد الاخير.

عام 2006 تم إنتخاب زولايا رئيساً للهندوراس وقد انتهج سياسة تقدمية تهدف الى اعادة توزيع الثروة ورفع المستوى المعيشي للطبقات الفقيرة مثل رفع الاجور بنسبة 60 %، واصدار قانون ضريبي تصاعدي، ووضع ضوابط تحد من استغلال رأس المال، وفي 2009 دعا الى تشكيل مجلس لصياغة دستور للبلاد ثم عرضه للاستفتاء الشعبي بدلاً من الدستور الذي صاغه سفير الولايات المتحدة نيغروبونتي عام 1982، مما أثارحنق الولايات المتحدة وذراعها الأقوى المتمثل بحلف الجيش مع أحزاب اليمين. تمت الاطاحة بالرئيس المنتخب زولايا بانقلاب عسكري عام 2009 ، وفي خطوة لذر الرماد بالعيون أعلنت ادارة اوباما ادانتها للانقلاب في البداية ، لكنها سرعان ما اعترفت بحكومة العسكر، و انهمرت على الجيش الاسلحة و المعونات، بذريعة مكافحة عصابات الاجرام والمخدرات. الا ان دلائل دامغة كشفت عن تنسيق وتواطؤ حكومة الانقلاب بجيشها وشرطتها مع عصابات تهريب المخدرات ، فاصبح الوضع الامني من الخطورة بحيث ان الامم المتحدة قد صنفت الهندوراس أخطر بلد في العالم.في انتخابات نوفمبر لهذا العام فاز سلفادور نصر الله عن تحالف يضم اليسار واليسار الوسط واليمين المعتدل بزيادة 5 % على الدكتاتور الحاكم هرناندز الذي رفض الاعتراف بالهزيمة لتقوم أجهزته بالتزوير الفاضح بعد شهرين من تأخير اعلان النتائج، تخللتها احتجاجات شعبية واسعة قمعت بعنف شديد، ومع ان جميع دول المنطقة والامم المتحدة قد ادانت سرقته للانتخابات إلا أن زيارته للولايات المتحدة لم تضمن له الرئاسة فحسب، بل تسلم صفقة من الاسلحة والمعونات المالية. كان هذا نموذجاً من سياسة استمرت لعقود ضد هذه الشعوب، نتج عنها الجوع والفاقة وقلة فرص التعليم وانتشار عصابات المخدرات و الجرائم، وحين تفر العوائل من هذا الواقع بحثاً عن ملاذ آمن في اميركا تستقبلها أجهزة ترامب بتلك الاجراءات الوحشية حسب قانون( تسامح صفر) الذي صاغه ستيفن ميلر وهو مثل الكثيرين من حاشية ترامب من القوميين البيض (وهي تسمية ملطفة للنازيين الجدد).

 

قصي الصافي

......................

للاطلاع

ما الذي يشغل أميركا اللحظة؟ / ا. د. محمد الدعمي

في المثقف اليوم