أقلام حرة

خُــذْ من الـتَّـلِّ يـخـتـل

حسن زايدحكمتنا في الأونة الأخيرة، النظرة الواحدة، في اتجاه واحد. مؤيدين ومعارضين ومتطفلين وراكبي الموجة والصائدين في الماء العكر. وغالبا ما تؤدي النظرة الواحدة إلي تلمس السطح دون الغوص في الأعماق بمختلف طبقاته. وتؤدي النظرة في اتجاه واحد إلي إغفال الجوانب الأخري للحقيقة، والتصور الذي يتولد داخل صاحب النظرة بأنه وحده يمتلك الحقيقة، وما ينتج عن ذلك من تعصب، ونفي الآخر، وممارسة التطرف والإرهاب تجاهه.

المواقف المتباينة من قضية الأسعار قد أغفلت أمرين، الأول : أنه ليس هناك رفعاً للأسعار، وإنما هناك رفعاً للدعم، مؤداه تحريك الأسعار. الثاني : أن قضية رفع الدعم عن السلع والخدمات من الأمور المعلنة ابتداءًا، وأن ذلك لازماً لزوماً حتمياً لعملية الإصلاح الإقتصادي.

فالمؤيد لتحريك الأسعار برفع الدعم، قد يكون مؤيدا محباً، أي أنه ليس لديه من الأسباب والدواعي ما يدفعه إلي التأييد، ولكنه لديه من الثقة في القيادة ما يدفعه إلي التأييدً. وهناك من يؤيد وهي يعي أن عملية الإصلاح الإقتصادي يلزمها بالضرورة رفع الدعم بما يترتب عليه تحريك الأسعار. وهنا الساكت الذي يمكن اعتباره مؤيداً باعتبار أن السكوت علامة الرضا، أو الساكت الذي لايعنيه الأمر لما يتمتع به من ملاءة مالية تستوعب هذا الحراك في الأسعار.

وهذا المؤيد في الحقيقة يسعي في إطار حمي التأييد إلي بخس حق الشعب في الجأر بالأنين من وطأة الأسعار الملتهبة، التي تنحت عظامه، وتمتص نخاعها بنهم غير مسبوق. ويسعي إلي تصنيف الشعب علي ضوء ذلك إلي خائن وعميل ومأجور.

وهناك من يعارض رفع الأسعار. منهم من يعارضها رغبة في مجرد المعارضة، من باب خالف تعرف. وهناك من يعارض ضمن جملة معارضاته للنظام. وهناك من يعارض من باب الإصطياد في الماء العكر، سعياً لإفساد العلاقة المحتملة بين الشعب والسلطة الحاكمة علي أي نحو من الأنحاء. وأخيراً هناك من يعارض تفاعلاً ومشاركة مع الطبقات التي تكابد ارتفاع السلع والخدمات الحاصل علي نحو غير مسبوق مع برنامج الإصلاح الإقتصادي.

وهذا المعارض يسعي إلي إتهام المؤيد بالتطبيل والنفاق والسعي إلي كسب ود السلطة، وما يترتب علي كسب الود من منافع معنوية ومادية أو كليهما.

والواقع أن تأييد المؤيد، أو معارضة المعارض، لن يغيرا من الأمر شيئاً، فقد انطلق سهم الإصلاح، ولا سبيل لإعادته إلي غمده أو حتي إيقافه مرة أخري. لأن ذلك يعني التردي في منحدر ليس له من قرار. فلا لطم الخدود ولا شق الجيوب ولا حتي الإنتحار مما قد يفضي إلي التراجع، والعودة إلي الخلف، لمعالجة الأثار المدمرة لرفع الأسعار. ولا ارتفاع أصوات المؤيدين وانتشارها سيخفف من تلك الآثار، ويخفف آلامها الموجعة، وأوار سياطها وهي تلهب ظهور الشعب.

إذن، ما هو الحل امام الحكومة وأمام الشعب؟.

أيضا، الحكومة تنظر بعين واحدة، في إتجاه واحد. لا تلفت يميناً ولا شمالاً. إنها لا تري سوي الطبقات الدنيا وجيوبها في تدبير الموارد التي تحتاجها عملية الإصلاح الإقتصادي، فتقوم برفع الدعم عن بعض السلع والخدمات، فإذا باللعنة تصيب أسعار كل شيء. وكم من السلع والخدمات جري الإستغناء عنها جبراً وقهراً، والبعض الآخر يستحيل الإستغناء عنه، كالدواء، والكساء، والحد الأدني من الغذاء في مستوياته الدنيا، وبعض الناس قد لا تتحصل علي هذا المستوي.

الحكومة تفعل ذلك وهي تعلم ثبات الدخل لمواطني الطبقات الدنيا والمتوسطة، ويجري استغراقه كله في أيام معدودات لضحالة وتدني مستوي القوة الشرائية. وخذ من التل يختل، إن كان هناك تلاً.

مع أن الحكومة لو تلفتت يميناً لوجدت أصحاب المليارات، الذين لو تم تحصيل الضرائب منهم، وفرض نظام الضرائب التصاعدية عليهم، لتحصلت علي ما يغطي الجزء الأكبر من احتياجاتها. ولو تلفتت يساراً لوجدت أصحاب الإقتصاد الموازي، الذين لا يخضعون للضرائب ولا لأي رسوم لممارسة النشاط. ولو أمعنت النظر قليلاً لوجدت العديد من أصحاب المهن الحرة الذين يمارسون أنشطتهم بمعزل عن الدولة وحقوقها.

العديد من المصادر يمكن الإعتماد عليها في عملية الإصلاح من جانب الحكومة، ومن بينها ترشيد الإنفاق الحكومي، وفرض التقشف علي أجهزة الدولة ومؤسساتها.

أما عن الشعب فيتعين أن يكون واعياً بالقدر الكافي، ولا يخلط الأوراق، فيكون ارتفاع الأسعار مدعاة لتحطيم باقي الإنجازات والطموحات.

 

حـــســــــن زايــــــــــــد

 

في المثقف اليوم