أقلام حرة

لا نحاول الفهم ونجيد الحكم!!

صادق السامرائيهذه ظاهرة سلوكية سائدة في المجتمعات المتدحرجة إلى الوراء، والتي تمترست أدمغتها في كينونات متصاغرة مدثرة بأغطية عاطفية ومتاريس إنفعالية سميكة، لا تسمح لها بالخروج منها والإطلال على ما حولها، وإنما الظلماء بيئتها ومحيطها ومنها تستقي رؤاها وتصوراتها، وتحسب ماتراه هو الحياة والحقيقية والوجود بأسره.

مجتمعات مبرمجة وفقا لمنطلقات إندثارية ومهارات إذلالية تخنيعية تساهم بزجها في أنفاق التبعية والإنقيادية والإستعبادية، وتعطيل العقل ومصادرة الإرادة وترسيم السلوك وفقا لمقتضيات مصالح القوى المفترسة لها، والتي تسعى لتعميتها ومنعها من الإبصار والنظر المبين.

مجتمعات إنغرست فيها الممارسات الإنعكاسية وردود الأفعال الهوجاء الحمقاء المدججة بالكراهية والبغضاء، والمسلحة بالعدوانية والإنقضاضية الخسرانية على ذاتها وموضوعها، وهي تمضي في دروب الإتلاف منومة مخدرة وثملة بخمور الأضاليل وسلاف البهتان.

مجتمعات لا تريد أن تفهم أو ترى وتعي وتسمع، وإنما هي تدري ومنها تُستقى المعارف وعندها الأدلة والبراهين، فعقولها المسخرة لتبرير إنفعاليتها في أوج نشاطاتها، وتغذيها قدرات إمتهانية عالية المواصفات وذات توصيفات لا بشرية، وما عليها إلا أن تتبع وتتبارك وتتخضع وتتوسل لكي يرحمها ربها الذي لا تدريه ولا تعرفه، وتتصوره وفقا لتوصيفات العابثين بمصيرها والمستحوذين على إرادتها، من المارقين الذين يتمتعون بحياتهم على حساب حياتها، لكنها راضية قنوعة متفاخرة بقوة إذلالها وخنوعها المجيد.

مجتمعات معبأة بعتاد الحكم المسبق على الآخرين الذين لا يتوافقون ونمطية رؤوسها وحجرية أدمغتها، وسذاجة عقولها المهمشة الممنوعة من الصرف، والمحرم عليها أن تفكر أو تؤمن بأنها مخلوقات عاقلة ذات إرادة حرة وقدرة على التواصل مع معتقدها وربها، ولا تحتاج إلى وسيط أو دجال يوهمها بأنه يقربها زلفى إلى ربها الذي لا تعرفه، وهو الأعرف والأدرى به وعليها أن تصغي ولا تثاغي، وأن تستكين لرغباته، وما ينطق به من خزعبلات ويأتي به من سفاهات ويمارسه من الحماقات ويتطلع إليه من التفاهات.

مجتمعات متخنعة بالخداعات ومكهربة بالأضاليل والهذيانات البهتانية، لكنها في وهم الدراية والمعرفة والتفوقية وأنها الأعرف وعليها أن تُصدر الأحكام، وتحسب رأيها مسك الختام، وبهذه التفاعلية الأمية تساهم في رعاية التداعيات الجسام.

وفي جوهر سلوكياتها أنها تعبّر عن مذهب " ذهبت أصنام وجاءت أصنام"، وما تغيرت الدنيا ولا تحقق المرام، فالأصنام هي الأصنام، والوثنية طاعون الأنام!!

فهل بقيت قيمة للإنسان أو بعض إحترام؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم