أقلام حرة
منظمات المجتمع المدني وإدارة الأزمات في العراق
ليس بجديد إذا قلنا أن عدد منظمات المجتمع المدني في العراق بلغ مبلغاً عظيماً وتجاوز الآلاف، ولكن يبقى السؤال ما أثرها في إدارة الأزمات التي يتعرض لها المجتمع العراقي وتهزه بين الحين والآخر؟!
في البدء لا بد من الإشارة إلى أن مصطلح المجتمع المدني يشير إلى كافة الأنشطة التطوعيّة التي تنظّمها مجموعة من الأشخاص، حول قيمٍ وأهداف ومصالح مشتركة. وتتميز بأنها تشترك في استقلالها عن القطاع الحكومي، وتتسم بالحريّة الشخصيّة والاختيار فضلاً عن المسؤوليّة الفردية تجاه المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان، وإرادة العطاء لهذا المجتمع، بكل ما لدى هذا الفرد من إمكانيات معرفيّة أو ماديّة. وكما هو متفق عليه فإن أهم أركان المجتمع المدني: النقابات والاتحادات والجمعيات والتنظيمات المهنية، والمؤسسات الدينية والثقافية، والمنظمات والنشاطات الاجتماعية والعائلية، والمنظمات الشعبية والجماهيرية، والأندية الاجتماعية والرياضية ومراكز الشباب.
ومن الملاحظ أن الدول المتقدمة تعتني بموضوعة تأسيسها ودعمها من خلال سنّ القوانين والأنظمة والتشريعات التي تساعدها في بناء هيكلها الاداري؛ لأنَّها تخلق ثقافة مدنية جديدة ومتحضرة للعبور بالمجتمع من حالة التخلف والجهل إلى التقدم والحرية والتعلم؛ لذا عدّ وجود منظمات المجتمع المدني ضرورة حضارية تؤشر تقدم الشعوب ونهضتها وتقدمها.
وبالنسبة للعراق لم تكن ولادة منظمات المجتمع المدني ولادة وسهلة على الرغم من تاريخ نشأة هذه المنظمات الذي يعود لبدايات القرن الماضي. وشهدت الفترة التي أعقبت أحداث عام 2003 تأسيس إعداد هائلة من المنظمات في عموم العراق، واستطاع بعضها خلال فترة زمنية قصيرة من ممارسة أدواراً مهمة وأساسية شملت تقديم المساعدات الإنسانية لضحايا الحرب وأعمال العنف وتوفير الدعم القانوني للفئات المهمشة والمستضعفة ونشر وترسيخ مبادئ السلام والتعايش السلمي وثقافة حقوق الإنسان والمساواة في النوع الاجتماعي وتمكين المرأة وغيرها من المواضيع.
ولكن ظلت مؤشرات أغلبها في المجتمع والدولة مبهمة وضعيفة، فضلاً عن غيابها عن ساحة العمل الفعلي الميداني التوعوي.
وفيما يتعلق بإدارة الأزمات، فنقصد بها الإدارة التي تُعنى بحلّ ما يواجه مجتمع ما أو مؤسسة ما أو غيرهما من أزمات، وتكون دائماً هذه الإدارة على أهبّة الاستعداد للتعامل والتنبؤ مع ما قد يحدث، ويلعب هذا النوع من الإدارة دوراً مهمّاً جداً في الأحداث، ويقع على عاتق هذه الإدارة بشكل عام الجاهزية الدائمة لمواجهة أي مشكلة والتعامل معها والعمل على حلّها بكلِّ كفاءة وفاعلية.
ولو عدنا إلى محور موضوعنا حول "منظمات المجتمع المدني ودورها في إدارة الأزمات وحلها"، فأقول جازمة أنه لا توجد منظمات مدنية لها القدرة على إدارة الأزمات التي نزلت بالعراق، ولم تستطع هذه المنظمات أن تعبأ الجهود وتحشد الطاقات أو تسخر الموارد لدراسة أزمة ما، من أجل التعامل معها وتخطيها أو على أقل تقدير محاولة تقليل آثارها السلبية، ناهيك أننا لم نجد منظمة حولت سلبيات قضية ما إلى إيجابيات للحدّ من حجم الخسائر الناجم إلا القلة القليلة جداً جداً وفي حالات استثنائية.
ولعلَّ ذلك يرجع إلى عدَّة اسباب منها: المشاكل والتحديات التي تواجهها، كانحسار مصادر التمويل النزيه الذي يشكل عصب الحياة لهذه المنظمات والفساد المالي الذي نخر مصداقية بعضها، وفقدانها لإدارات واعية وقيادات مسؤولة وافتقادها لتجارب عميقة في إدارة الأزمات وعدم اطلاعها بشكل كافٍ على تجارب الدول التي مرّت بمحن، وعدم وجود وحدات خاصة بالدراسات والطرق العملية أو وسائل الاتصال الخارجي والداخلي لتنمية قدراتها والتعامل مع الأحداث والمشاكل بكلّ مرونة وشفافية على الرغم من أن بعضاً منها تلقى تدريبات ودورات وورش داخل العراق وخارجه وعلى يد أجانب.
لكن يبقى أملنا كبيراً بنمو بذرة منظمات المجتمع المدني، وأن يجني مجتمعنا ثمارها ذات يوم..
زينب فخري