تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

رسالة الأزمة....

انور الموسويسارتر في المثقف: هو الوجه الجدلي الآخر للتاريخ، يهدف المثقف حتى من خلال كتاباته الى التأثير في العالم، الذي هو عالمه، بوصفه فاعلا حيا، وليس من خلال التأثير الافتراضي الذي يمكن له ان يامله بعد وفاته.سسيولوجبا المثقفين/ جيرار ليكرك

انت تريد (ثورة، وانت تريد إصلاح، وانت تريد خدمات) . كلش تمام كل هذه الأمور لغرض ان تحقق ماذا؟ تحقق عيش كريم، وحياة حرة، وواقع متحضر. هذا حقنا وهذه هي مقومات الحياة في اي دولة تحترم كلمتها وواجباتها. خذ مثلاً اي دولة بالجوار بغض النظر عن اي أيديولوجية متبعة في ادارة الدولة ماذا نلاحظ؟ نلاحظ انها افضل حالاً منا فلماذا لا يجري "تحويرنا" إلى مثل حالتهم في الواقع الخدمي.

اسقاط او التسبيب بحدوث فوضى أو إرباك، او تخريب للصالح العام سيؤدي بك إلى هدفك؟ زين الدماء الزكية الي داتسقط تؤدي بالنتيجة الى ماذا؟ إلى اي مسار نتجه؟ هل هذا هو المسار المؤدي لمستقبل نتطلع له؟ ثم ما الضمانات من أن التغيير على شاكلة الثورة! سيؤدي إلى واقع افضل؟

هناك ثنائيتين غير متماثلتين. (السلطة التي تبتلع الدولة، والمواطن الذي فقد الثقة برجل السلطة)

على هذا الأساس يحب إعادة النظر في خلق تماثل منعش بين المواطن من جهة، وتحريك ساكن السلطة وتحولها إلى دولة خدمات حقيقية. الفرصة لازالت سانحة اخوتي، فإن دوري كمثقف يحتم علي ان انهض برؤية تعالج الوضع، لاتزيد من مساؤه، اني اتكلم بحيادية وتجرد تام مستقل، فهل قلب الأوضاع رأساً على عقب، والتعدي على مؤسسات الدولة، والصالح العام والتجاوز على الممتلكات يوفي بغرض التطور والطموح المنشود في تطوير الواقع وتحسينه؟ بالطبع لا، وهذا لايعني مطلقاً عدم المطالبة، والاعتراض، والاحتجاج، والضغط السلمي، والاستمرار به. بل التصرف بطريقة أكثر وعياً وذات نتائج حميدة. مع يقيني انني اصطف مع ابناء الشعب، كمواطن متضامن ومطالب معهم بتوفير حقوقنا الطبيعية.

واجب السلطة في هذا البلد الذي يسعى بخطى بطيئة نحو الديمقراطية، ان ترتقي ولو لمرة واحدة، وفي لحظة غضب جماهيري ملتهب، للترفع عن المصالح الشخصية، والحزبية. انها لحظات حاسمة في واقع مأزوم ومتردي، كانت نتيجته هذه الفورة الشعبية المنطقية، لترتقي السلطة إلى مستوى الدولة، وتتجه سريعاً لتشكيل حكومة (خدمات) وببيان توعد شعبها ومتظاهريها بتحسين الواقع، وتوفير الحياة الكريمة، والعيش المحترم والحرية، ومزيداً من الانفتاح لا على اساس حزبي! بل انفتاح على اساس هوية وطنياتية جامعة لكل الفئات، هذا يتحقق من خلال ما سيلمسه المواطن من خدمات فعلية على ارض الواقع،مع طلب السلطة من الشعب، بمنحها فرصة أخيرة وهذا ليس عيباً بل هو اعتراف بخطأ واقعي يجري اصلاحه، لو كنتم جادبن وصادقين، في تحويل شكل السلطة الحزبوية إلى دولة خدمات من خلال تشكيل الحكومة القادمة والتي تحمل هذا الشعار، عند ذلك من المؤكد سنعيد ولادة "موت الدولة في ضمير الشعب"، ونعيد ترميم الوضع، واصطفاف معظم ابناء الشعب والدفاع عن حكومته التي صدقت وعدها واوفت بالتزماتها تجاه المواطن لو كنتم صادقين. كنت احذر منذ زمن ان المواطن لا يعرف ولايهتم كثيراً بصراع الايدولجيات، ولا صدام الحضارات، المواطن يحتاج إلى الخبز، والكرامة، والخدمات، وهذا واجب طبيعي لأي دولة، النكوص عن هذا الواجب ردحاً من الزمن بمعية الفساد الظاهر بلا خجل او حياء، والفارق الطبقي بين الحزبي المنتمي، وبين المستقل العادي، شكل عدم التماثل هذا بين سلطة الحكم، وبين اغتراب المواطن، وقلة حيلته، وانعدام خدماته وفقدانه لهويته، اتعلم سيدي المسؤول؟ هناك امر مخفي بداخل كل مواطن يختلف عن مطالبته بالخدمات هو امر: الاغتراب الوطني، هذا الفرد المعترض والمتظاهر والمحتج هو فاقد لهوية جرى استلابها منه قسراً هي "الهوية الوطنية" التي لاتمايز فيها، وهذا جاء نتيجة الفارق الطبقي الذي خلقته الاحزاب ونتيجة تعميق الهوية الطائفية، فأصبح المواطن حتى لايحترم نفسه كمواطن عراقي ويقول دائماً (حيل بينا، احنا نستاهل، احنا مو خوش اوادم) هذه المازخوية الجمعية ادت إلى فض العقد بين (المواطن والوطن)، لذلك لاتستغرب عندما تجده يرقص على تحطيم وتكسير زجاج المباني، او تخريب المؤسسات انت من افقدتهم هوية الانتماء للوطن، واحترام القانون، والخوف من العقاب، فعليك مادام الفرصة سانحة ان تعيد تلك الهوية لهم من خلال إنتاج عامل مشترك بين كل تلك الفئات بتعديل استراتيجيتك الحزبية أولاً، ومن ثم توفير الخدمات لهم، الى ذلك الحين اتعهد لك بولاء للوطن منقطع النظير فالشعب يملك عاطفة كبيرة وحب للخير عظيم، وثقافة متجذرة فطرية، وعجبي كيف لم تستعطفوا شعبكم فهو شعبٌ عاطفي؟ .

بهدوء وبروية وبلا قمع، او تجاوز احترموا مطالب شعبكم وكونوا ولو لهذه اللحظة الغامرة بالسوداوية على قدرٍ من المسؤلية في احتواء الوضع وتحقيق المطالب المشروعة لهذا الشعب الطيب.

وبهدوء وتعقل عزيزي المتظاهر، وحبيبي، واخي، وشريكي بالدم والوطن، ان لاتذهب بك الريح حيث مستقبل لا نعرف مصيرنا فيه إلى اين؟ أستمر في حقك المشروع بالحياة، من خلال رفضك، واحتجاجك، وانتفاضتك، واياك ان تنجر إلى مسلس الدم والثورة، فانه مسلسل عقيم، يؤدي إلى إنتاج مسخٍ هجين أبشع مما نحن عليه الآن، لانك في أرض مليئة بالنكبات، لم تنجح بها سابقاً الانقلابات والثورات بل نتائجها كانت واقعاً مراً، ليس محمود العواقب، ولا باليد حيلة او في الافق ضمانات تؤكد نجاح اي مسعى ثوري.

على الطرفين ان يعيدوا التماثل فيما بينهم من جانب الشعب بالتزامه بالاساليب الديمقراطية بالتعبير، والحفاظ على مكتسباته المؤسساتية، ومن جانب السلطة ان تعيد انتاج نفسها كحكومة تتشكل بصورة سريعة هدفها حكومة "الخدمات" وتقديم ماهو ملموس.

ولو بقيت وبقيت الحياة وبقيتم، ساذكركم بهذا المقال في تموز السنة القادمة لو تحققت هذه الإجراءات. ولاحظوا حينها كيف الامور ستتحسن.

 

انور الموسوي

 

 

في المثقف اليوم