أقلام حرة

التعاشق الإختلافي !

صادق السامرائيالتعاشق ليس من العشق وإنما من التلاحم التفاعلي التام، كتشابك العجلات المسننة مما يؤدي دوران الواحدة منها إلى دورانها جميعا، والتعاشق يحصل ما بين الذات والخيال والذات والذات، والوجود بأسره عبارة عن تفاعلات إختلافية ومولودات ذات طاقات متباينة تساهم في ديمومته وتطوره.

ولا يمكن لعاقل أن يتصور بأن هناك مخلوقان يسري في عروقهما الدم ويتفقان على كل شيئ، فذلك من ضرب المحال ولا ينطبق على نواميس الوجود وقوانين الخلق العظيم.

لأن ديدن الوجود الكوني المتنوع والمطلق هو الإختلاف.

ويبدو أن الجهل البشري المروع هو الذي يلغي هذه الحقائق، التي نصت عليها الأديان السماوية وقالت بها الأيات ونادى بها الأنبياء والمصلحون من بني البشر.

فالحياة والمحبة والتقدم والابداع إختلاف، وكل جديد يولد من رحم الإختلاف!!

وتمضي مسيرتنا الأرضية ومسيرات الأكوان على عجلات الإختلاف، والتفاعلات الحارة مابين التنوعات القائمة في مدارات الصيرورة الكبرى.

فهذا زرع مختلف ألوانه، فالمروج تكون أجمل بإختلاف ما فيها من النباتات والزهور، والأطيار أجمل وأبهى بتنوعات ألوانها وأشكالها وأحجامها، وهكذا دواليك في مسلة الوجود الإختلافية وآلياته التفاعلية.

والعناصر المختلفة عندما تذوب مع بعضها تصنع سبائك أقوى من أي عنصر منها، فالإختلاف إرادة قوة وكينونة كبرى.

وعندما نأتي إلى الأفكار فأن الحياة تكون أخصب وأروع عندما تتمكن الإختلافات الإدراكية والمعرفية التعبير عن نفسها، ولهذا تجدنا في عالم تتخلق فيه الأفكار المتنوعة، والمجتمعات المتقدمة تجد وتجتهد في إستحضار الأفكار المختلفة لكي تحوّلها إلى موجودات ذات قيمة إستثمارية وإقتصادية.

وفي عالمنا العربي نخشى الإختلاف، ونرتعب من وجود فكرة لا تتفق مع فكرتنا ونحسب ذلك تهديدا وعدوانا، وذلك واضح على جميع المستويات الحياتية، مما يؤكد على أننا لا نعرف مهارات التفاعل الإختلافي، وإنما هي التبعية وتعطيل العقل، فنحن ميالون للإتباع لا للإبداع، وهذه العاهة متوارثة ولديها جينات نشطة في نويات خلايانا، فحوامضنا الأمينية ربما فيها شفرات تؤهلنا للتبعية والخضوع، وتمنعنا من العطاء الأصيل.

فلماذا يعاني كل مختلف في ديارنا ويتألق في ديار غيرنا؟!!

ولماذا نحسب أو نتوهم بأننا أكثر المجتمعات إختلافا وما نحن إلا أقلها بكثير، لكنهم يستثمرون في طاقات الإختلاف ونحن نستثمر فيها أيضا، وشتان ما بين الإستثمارين؟!!

فأنت معي إذا إختلفت معي، وإلا فأنت معمعي!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم