أقلام حرة

لماذا زار نوري المالكي الكويت؟

توجّه رئيس الوزراء العراقي السابق ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي في زيارة خاطفة الى الكويت، استغرقت يوما واحدا اجتمع خلالها بعدد من المسؤولين الكويتيين وفي مقدمتهم أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح. ولاتبدو ان الزيارة تستحق الإهتمام من جهة أن المالكي لا يتولى حاليا سوى منصبا هامشيا في العراق وهو نائب رئيس الجمهورية، ومن جهة أخرى فإنه مني بهزيمة منكرة في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة إذ لم يحصل الا على 26 مقعدا من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 329.

لكن مايثير علامات استفهام حول طبيعة هذه الزيارة وأهدافها هو أنها خاطفة استغرقت يوما واحدا فقط، وانها تتزامن مع ذكرى غزو الرئيس السابق صدام حسين للكويت في العام 1990 وأخيرا أنها تأتي في ظل تصاعد حدة التنافس الجاري في العراق بين القوى السياسية لتشكيل الحكومة المقبله. ولذا فلايمكن التعاطي مع هذه الزيارة على انها مجرد رحلة عمل بروتوكولية اذ لايوجد أي سبب لقيام بها في هذا الوقت بالذات.

إلا انه ومع الأخذ بنظر الإعتبار أن الكويت أصبحت محطة للسياسيين العراقيين منذ إعلان النتائج الأولية للإنتخابات البرلمانية في شهر مايو الماضي، إذ زارها كل من السيد مقتدى الصدر زعيم تحالف سائرون الذي فاز بالإنتخابات والسيد عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة، فإن هذه الزيارة لا يمكن إلا النظر اليها في هذا السياق وهو تشكيل الحكومة المقبلة.

ولعل أن أحد الأسباب التي منعت المالكي من المسارعة لزيارة الكويت قبل هذا الوقت، هو الصدمة التي أصابتها بعد ظهور نتائج الإنتخابات التي وضعته خارج دائرة التنافس لتشكيل الحكومة المقبله، كما انه كان يعول على الغاء الإنتخابات او تعطيل نتائجها بعد أن أقصى الشعب العراقي عددا كبيرا من حلفائه في الإنتخابات وتحولت بوصلة الناخب العراقي نحو قوى سياسية أخرى ليست على ود مع المالكي. إلا ان فشل مساعيه لإلغاء الإنتخابات وتمديد عمر البرلمان السابق، وإذعانه الى حقيقة خسارته للإنتخابات لم تترك له من سبيل لتحقيق طموحاته لترؤس الحكومة أو للتحكم بها، لم تترك له من خيار سوى الإستعانة بالدول الإقليمية لتحقيق أهدافه.

وقد ظهر العامل الخارجي جليّا في الآونة الأخيرة عبر مسارين لتشكيل الحكومة وهو المسار الإيراني الذي أثمر عن إعادة الحياة للزواج الكاثوليكي بين هادي العامري زعيم قائمة الفتح والمالكي، والمسار الأمريكي الذي يراهن على ابقاء رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي في منصبه لدورة ثانية وأخيرا المسار العراقي الذي تتزعمه سائرون وتيار الحكمة لتشكيل حكومة عراقية بعيدا عن التدخلات الخارجية.

لقد أنعش تخلي العامري عن تحالفه مع الصدر وتحالفه الذي سبق الإنتخابات مع العبادي، وعودته الى المالكي أنعش آماله في لعب دور أساسي في تشكيل الحكومة المقبلة، لكن مثل هذه الحكومة التي تحظى بدعم ايراني، لابد لها من الحصول على دعم أمريكي واقليمي طالما أنها تعتمد على العامل الخارجي كأساس لتشكيلها. لكن المالكي يعلم بان أبواب الإدارة الأمريكية موصدة أمامه اليوم بعد تجربة سنوات حكمه الثمان التي تقلب خلالها بين المحورين الأمريكي والإيراني.

كما وان العلاقات الطيبة التي يحتفظ بها زعيم قائمة الفتح مع السفير الأمريكي في العراق دوغلا س سيليمان لاتبدو كافية لتطمين الإدارة الأمريكية حول نهج الحكومة المقبلة، ولذا فكان لزاما على المالكي أن يطرق أبواب الرياض. غير أن ابواب الرياض أوصدت في وجهه بعد رفض السلطات منحه تأشيرة دخول لزيارة السعودية تحت ذريعة الحج. وهنا يأتي دور الكويت التي حاولت الحفاظ على لعب دور متوازن في الصراعات التي تعصف في المنطقة سواء في العراق او سوريا او اليمن.

ولذا فإن فرضية تسليم المالكي بشكل شخصي رسالة الى امير الكويت لأيصالها الى القيادة السعودية تعتبر مرجّحة في ظل محاولته لفتح صفحة جديدة من العلاقات مع الرياض كي تعطيه الضوء الأخضر للمضي قدما في تشكيل الحكومة المقبلة،على أن يراعي فيها المصالح السعودية كما يراعي مصالح ايران وخاصة فيما يتعلق بسياسات العراق النفطية في منظمة الدول المصدرة للنفط اوبك، وكذلك الحفاظ على موقف عراقي محايد في الأزمات التي تعصف بالمنطقة.

إلا أن هذه المحاولات لا يبدو انها سيكتب لها النجاح لأن عصر المالكي قد ولّى فمستقبله السياسي صدرت عليه ثلاثة احكام بالإعدام واحدة من الشعب العراقي وثانية من المرجع السيد علي السيستاني وأما الأخيرة فمن داخل حزبه الذي وصلت فيه حالة الإنقسام بين جناحيه الى نقطة اللاعودة، ومابقاؤه في أمانة الحزب الا مسألة وقت بإنتظار تشكيل الحكومة الجديدة حيث يحاول الحزب اليوم الظهور بمظهر المتماسك الموحّد من اجل تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية!

 

ساهر عريبي

 

في المثقف اليوم