أقلام حرة

أندلسيتا عمر أبو ريشة ونزار قباني

نور الدين صمودأمامي قصيدتان كتبتا عن الأندلس لذلك نسبتهما إليها، وهما لشاعرين معاصرين، تجمع بينهما وجوه شبه متعددة، فكل منها شاعر، وكل منهما سوري الجنسية، وكل منهما اشتغل في السلك الدبلوماسي، فقد عيِّن الأول سفيرا لبلاده في البرازيل ثم في الأرجنتين والشيلي بأمريكا الجنوبية، وفي الهند والولايات المتحدة الأمريكية المتحدة وهو عمر أبو ريشة.(1) و أما الثاني فقد عمل ملحقا بالسفارة السورية من الهند إلى لندن إلى إسبانيا اليوم وأندلس الأمس وهو نزار قباني. وقد تشابه هذان الشاعران في أشياء أخرى منها شهرتهما في الشعر العربي الحديث، فقد كانا علمين من أعلامه وأثـَّرَ شعر كل منهما في الحياة الاجتماعية والسياسية وأسقط الأول بإحدى قصائده وزارة، وحُكم عليه من أجلها بالإعدام، وقد حدثني بنفسه عن ظروف قولها وإنشادها ونتائجها، وذلك عند زيارته إلى تونس في سهرة بالسفارة السورية بتونس، وقد صار بسبب هذه القصيدة وبأسباب أخرى سفيرا لسوريا في عدة أقطار، وقد أثار الشاعر الثاني غضب المتزمتين بقصيدة "خبز وحشيش وقمر" ثم أثار غضب السياسيين وجرَح مشاعر وكرامة الكثير بقصيدته "هوامش على دفتر النكسة" التي كتبها إثر نكسة جزيران 1967، وقد استقطب، قبل ذلك وبعده، اهتمام الجميع بكثير من أشعاره الغزلية خاصة حتى صدق فيه قول ابن رشيق القيرواني صاحب العمدة في المتنبي:(ملأ الدنيا وشغل الناس) (2).

وقد التقى هذان الشاعران في كثير من الأشياء الأخرى يهمنا منها الفكرة الأساسية لقصيدتيهما التاليتين اللتين سنحاول المقارنة بينهما: الأولى قرأتها عند ظهورها أول مرة في مجلة الآداب البيروتية في أوائل الخمسينيات لعمر أبو ريشة، ثم ظهرت في معظم طبعات دواوينه بهذا التقديم: "كان في رحلة إلى الشيلي، وكانت إلى جانبه حسناء اسبانيولية، تحدثه عن أمجاد أجدادها القدامَى العرب، دون أن تعرف جنسية مَن تحدث."(3) وعنوانها:" في طائرة"، والضمير في مطلعها يعود على الطائرة لا على الحسناء التي كانت بجانبه فيها، وقصيدته عمودية على بحر الرمل تتكون من خمسة عشر بيتا، وسأرقم أبيات القصيدة لأتمكن من تقديمها كاملة ثم أعلق على ما يحتاج منها إلى تعليق بعد ذلك:

1) وثــَبتْ تستقـْرِبُ النجم مَـجالا* وتهادتْ تسْـحب الذيـلَ اختيالا

2) وحِـيــالي غـــادةٌ تــلـعـب في * شَـعْـرها المائـجِ غُـنـجا ودلالا

3) طـَلـْـعةٌ رَيَّــا، وشيءٌ بـاهــــرٌ* أجمالٌ؟ جَلَّ أنْْ يُـسْـمَى جَمـالا

4) فتـبـسَّـمــتُ لها فـــابــتسـمـتْ*وأجـالــتْ فيَّ ألحـاظًا كُـسـالَى

5) وتــجــاذبْــنا الأحــاديثَ فما انْـــ *ـــخفضتْ حِسًّا ولا سـفـََّتْ خيالا

6) كــلُّ حـرفٍ زلَّ مـن مـرشـفــها* نَـثـَـر الطِّــيــبَ يميــنا وشِمالا

7) قلتُ: يا حسناء مَن أنـتِ ومِـن* أيٍّ دوحٍ أفـْرعَ الغـُصنُ وطالا؟

8) فـَــرَنَــتْ شامــخـةً أحســبُـــها* فــوقَ أنــســابِ البـرايا تتعالَى

9) وأجـابــت: أنا مِـن "أنـدلـسٍٍ"* جَــنـَّةِ الـدنــيا سهــولا وجبـالا

10) وجُــدودي، ألـْـمَحُ الدهـرَ على *ذِكْرِهمْ يطوي جناحيْــه جـلالا

11) بوركتْ صحراؤهم كم زخـرتْ *بالمُــروءاتِ ريـــاحا ورمــالا

12) حـمــلوا الشّــرقَ سَــناءً وســنًا*وتخطَّوْا ملعـبًَ الغرب نِضـالا

13) فــنــما المــجـــد على آثارهــمْْ *وتحدَّى، بعـدما زالوا، الزوالا

14) هؤلاء الصِّيــدُ قـَوْمي فانـْتسِبْ *إنْ تجدْ أكرمَ مْنْ قومي رجالا !

* * *

15) أطرقَ القلـبُ، وغـامتْ أعيُني *بِـرُؤَاهـا، وتجاهـلتُ السُّـؤالا !

1953

أما القصيدة الثانية لنزار قباني، فقد قرأتها في أوائل الستينيات، أي بعد حوالي عشر سنوات من نشر قصيدة أبو ريشة، وكان وقت كتابتها عندما كان يعمل في السلك الدبلوماسي بالسفارة السورية في مدريد عاصمة إسبانيا، وظهرت لأول مرة في مجلة "المعرفة" السورية بعنوان " غرناطة" قـُبيل زيارته الأولى لتونس سنة 1963، ولعلها كانت سببا في الدعوة إلى أداء تلك الزيارة، وبمجرد اطلاعي عليها رأيت أن موضوعها مستوحَى استيحاء كاملا من قصيدة عمر أبو ريشة الآنفة الذكر، وإذا كان أبو ريشة قد قدم لقصيدته تقديما نثريا عرّفنا فيه بأن لقاءه بتلك الحسناء الإسبانية كان في الطائرة أثناء سفره إلى الشيلي، فإن نزار قباني قدم لقصيدته تقديما شعريا عرَّّفنا فيه بأن لقاءه بتلك الحسناء الإسبانية كان في مدخل "قصر الحمراء"، وأثناء تجوالهما فيه اعتزت بأمجاد أجدادها العرب كما اعتزت صاحبة الشاعر الأول بأجدادها العرب وافتخرت بما خلفوا من آثار باقية بقاء الزمان، والقصيدة الثانية عمودية أيضا وهي تتكون من واحد وعشرين بيتا على البحر الكامل بعنوان "غرناطة" (4)

1) في مدخل "الحمراء" كان لقاؤنا*ما أجــمل اللـُّـقـْـيــا بلا مــيعادِ !

2) عينانِ سوداوانِ.. في حجَـريهما*تـتـوالــدُ الأبــعــادُ مِــن أبعـــادِ..

3) هـل أنـت إسبـانيّـةٌ؟ ساءَلـْــتـُهـا*قالت: بلى غرناطـةٍ ميلادي(5)

4) غرناطةٌ! وصحَتْ "قرونٌ سبعةٌ"*في تـَيـْـنِـكَ العينين..بعــد رقــادِِ

5) وأميــّـة ٌ..رايـاتُــها مــرفـــوعــةٌ*وجِيــادُهـا مــوصـولــةٌ بــجـيادِ..

6) ما أغرب التاريخَ كيـف أعـادني *لحـفــيدةٍ سمـــراءَ..من أحفـادي!

7) وجــه ٌ دِمـشـقيٌّ ..رأيــتُ خلالـَهُ*أجفــانَ بـلقيــسٍ.. وجيــدَ سعـادِ

8) ورأيتُ منـزانا القديم.. وحُـجـرة *كانـت بهـا أمّـي تَــمُـدُّ وِســادي

9) والياسمـينةُ، رُصِّعــتْ بنجـومها*و"البَحْــرَةَ َ"الذهبيّــــةَ الإنشـادِ..

* * *

10) ودمشقُ أين تكونُ؟ قلتُ: تريْـنَها*في شَعْـــرِكِ المـُنسابِ نهرَ سوادِ..

11) في وجهكِ العربيِّ، في الثغر الذي*ما زال مُـخْـتزنا شـمــوسَ بلادي

12) في طيب "جناتِ العريـف"ومائها*في الفّلِّ، في الريحان، في الكَبّادِ..

* * *

13) سارت معي..والشَّعْرُ يلهثُ خلفها*كسنابــلٍ تـُُِرِكــتْ بـغــير حصادِ..

14) يتــألـّــَقُ القـُرطُ الطويــلُ بجيـدها*مِـثـل الشـُّـموع بلـَيلـَـــةِ الميـلادِ..

15)ومشيتُ مثل الطفل خلــف دليلتي*وورائـيَ التــاريخُ كَــَـوْمُ رمـادِ..

16) الزخـرفاتُ أكـاد أســـمع نـَبْـضها*والزركشاتُ على السقوف تنادي

17) قالتْ: "هنا الحمراءُ مجدُ جدودنا*فاقـــرأْ على جــدرانها أمجادي!"

19) أمجادُها !؟ ومسحتُ جرحًا نازفًا*ومســحــتُ جـــرحًا ثانيا بفؤادي

20) يا ليــت وارثــتي الجميلةَ أدركتْ*أن الذيــن عـنــتـْهُــمُ أجــدادي.. !

* * *

21) عانــقــتُ فيــها عنــدما ودَّعـتـها*رجـلا يُـسَــمَّى (طارقَ بن زيادِ)

بعد تقديم القصيدتين السابقتين لعمر أبو ريشة ونزار قباني نلاحظ أن الأوّل تـَغَنـَّى بطبيعة الأندلس سهولا وجبالا، رغم أنها ليست من صنع العرب وأنه لا يمكن أن يدعي أحد أن للعرب فضلا فيها فهي من صنع الله تعالى، بينما تغنى الشاعر الثاني بما خلفه العرب من بناء وزخارف بقيت وستبقى مدى الزمان، بعضها يحمل ذلك الشعار الخالد:(ولا غالب إلا الله)، كما نلاحظ أن الشاعر أبوريشة تجاهل في نهاية قصيدته سؤال صاحبته عن أصوله التي تعتقد أنها لا يمكن أن تفوق أصولها العربية خجلا من أن تعلم أنه من القوم الذين ضيعوا تلك الأمجاد، أما نزار فقد تمنى، في ختامها، أن تعرف رفيقته أن الذين افتخرت بهم تلك الفتاة الإسبانية هم أجاده، ولم أجد لهذا التمنّي مبررا، فالمقام لا يقتضي إعلامها بذلك، كما فعل أبو ريشة، وقد كان في إمكان صاحب قصيدة غرناطة أن يعلمها بما تمنى أن تـَعلمَه، لذلك لا موجب لهذا التمنّي، وقد ختم قصيدته ببيت بارد ساقته القافية أو على الأصح الروي المناسب لروي القصيدة، وهو اسم فاتح الأندلس فإذا به يعانق في تلك الفتاة، عندما ودعها، رجلا يسمَّى (طارق ابن زياد) وهذه المعانقة شاذة وغير طبيعية وغير مناسبة البتة للمقام.

تعليقات على بعض الأبيات

رقـّمت أبيات القصيدتين لأتمكن من العودة إلى التعليق عليهما بعد تقديمهما كاملتين، دون أن أفسد على القارئ متعة قراءتهما بالتعليق المباشر، وأعود الآن إلى التعليق عليهما، ورغم أني أومن بقول بعضهم:" الشعر كالورد يُشمُّ ولا يُحكُّ" فإني سأحك بعض ورود هاتين الباقتين من الشعر لعلي أُخرج منهما بعض الرحيق وإن كان ذلك قد يؤدي إلى إذبالها.

ـ في البيت رقم 2 من قصيدة أبو ريشة قال : "تلعب في شعرها" وهو يريد أن يقول: تلعب بشعرها لكن الوزن اضطره إلى إبدال حرف الجر عملا بقول بعضهم: "حروف الجر تنوب عن بعضها" ولو قال:

وحيالي غادة قد أرسلت     شعْرَها المائجَ غنجا ودلالا

أو قال: (قد داعبت شعرَها..) لما احتاج إلى إبدال حرف جر بحرف آخر للوزن، مع اعتذاري لروح الشاعر الذي أُحِبُّ شعره وصياغاته الرائعة غالبا.

ـ في البيت رقم 5 وقع تدوير (وهو اشتراك لفظ في الصدر والعجز) وهو يستحسن غالبا في البحر الخفيف أما في الرمل فإنه ثقيل، ولو تجنبه في هذا البيت لكان الوزن أخف هكذا مثلا:

(وتجاذبنا الأحاديث فما     نزلت حسًّا ولا سفـَّتْ مقالا)

أو(.. فما هبطت حسا..) ثم إن المدح بنفي العيوب يُعد عيبا ـ إذ يوجد فرق كبير بين قولنا: فلان ذكي وبين قولنا فلان ليس غبيا ـ فإني أفضل أن يكون ذلك البيت على النحو التالي مثلا ليكون أوفق من حيث المعنى ولا أقصد المبنَى:

وتجاذبنا الأحاديث التي     حلـّقت فيها خيالا ومقالا.

أما قصيدة نزار قباني فلي حولها مجموعة ملاحظات:

ـ نلاحظ أنه استعمل في البيت رقم 2 قوله في (حجَريهما) بفتح الجيم ومعنى الحجْر في اللغة، بتسكين الجيم: ما دار بالعين، وقد اضطره الوزن إلى تحريك الجيم ، ويُفضَّل استعمال المحجر بكسر الميم وفتحها: والجمع محاجر لتجنب اشتباهه بالحجر أي الصخر.

ـ نلاحظ أننا عند اطلاعنا لأول مرة على قصيدة غرناطة في مجلة المعرفة السورية كان البيت رقم 3 هكذا:

هل أنـت إسبـانيّـةٌ؟ ساءَلـْــتُـهـا     قالــت: بلى غرناطــــةٌ ميلادي

وقد تجاذبتُ الحديث حوله مع الشاعر التونسي جعفر ماجد فور نشرها في مجلة الثقافة السورية في أوائل الستينات، وقلت له: كلمة "بلى" هنا مستعملة بالمعنى الشائع في اللهجة الشامية أي "نعم" وهذه الصياغة ضعيفة، ولا يمكن أن تأتي بلى إلا بعد سؤال منفي كقوله تعالى: (ألستُ بربكم قالوا: بلى) ولو قالوا: نعم لكفروا لأن معنى جوابهم: "نعم لست َ بربنا" ومعنى بلى أنهم يوافقون على السؤال المنفي، ولو قال:

هل أنت إسبـانيّـةٌ؟ ساءَلـْــتـُـهـا     قالــت: وفي غرناطــــةٍ ميلادي

لو قال ذلك لكان أوفق وأفصح، لأنها تثبت أنها إسبانية وتضيف إلى ذلك أنها مولودة في غرناطة، وأذكر أن وزارة التونسية قد دعت نزار قباني الذي كان يعمل في سفارة سورية بإسبانيا إثر نشر تلك القصيدة، لإلقاء محاضرة عن الشعر وإقامة أمسيات شعرية أقامها بتونس وقد قرأ ذلك البيت في الجمهور الغفير كما نشره في مجلة المعرفة السورية أول مرة، ثم سجلنا معه بالإذاعة التونسية ثلاث حلقات من برنامج "زيارة خاطفة" بمشاركة الشعراء جعفر ماجد وعبد العزيز قاسم وزبيدة بشير وعبد المجيد بن جدو معد البرنامج وكاتب هذا المقال، وعندما قرأ نزار ذلك البيت، استوقفه جعفر واقترح عليه أن يغير تلك الكلمة على ضوء الشرح الآنف الذكر، فرفضه رفضا باتا، ولكنه أصلحه فيما بعد عندما نشر القصيدة في ديوان "الرسم بالكلمات".على النحو الذي ذكرناه.

ـ في البيت رقم 4 أشار نزار إلى أن العربَ أقاموا بالأندلس سبعة قرون فقط، وقد اضطره الوزن إلى التنازل قرن كامل من بقاء العرب فيها، فقد فتح طارق بن زياد القائد البربري المغربي الأندلس سنة حوالي سنة 93 للهجرة، 710م وخرج منها آخر ملوك العرب محمد الثاني عشر سنة 1492م وهكذا نرى أن العرب قد بقوا في الأندلس، أكثر من ثمانية قرون قمرية بقليل وأقل من ثمانية قرون شمسية بقليل.

ـ في البيت رقم 8 استعمل كلمة (الوساد) وهي الوسادة أو المخدة أو المتكأ إلا إذا أراد به الفراش لتسديد القافية والروي..

ـ في البيت رقم 9 استعمل كلمة "البَحْرَةُ" بمعنى "البركة" والأولى غير مفهومة في كثير من الأقطار العربية والمغربية خاصة، وهذا ما جعله يغيرها فيما بعد بـ"البركة" كما نشرت في معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين مجلد 5 ص78

ـ من البيتين 10/11 نفهم أنه قال لها قبل ذلك: أنا من دمشق، لذلك سألته: عن مكان وجود دمشق، فأجابها جوابا دل على أنها عربية إذ قال لها عربية مثلي وأن وجهكِ ما زال مختزنا السمرة التي تسببت فيها شمس بلادي العربية، وهذا التصريح عن أصله العربي يتنافى مع ما جاء في نهاية قصيدته في البيتين 20/21 فلنتأمل هذا الحوار:

- ودمشق أين تكون؟ قلتُ: تريْنها         في شَعـْركِ المنسـاب نهرَ سـوادِ

في وجهكِ العـربيِّ، في الثغر الذي         ما زال مُـخْـتزنا شـمــوسَ بلادي

وإذا تأملنا البيت الموالي على ضوء معنى البيتين السابقين:

يا ليــت وارثــتي الجميلةَ أدركتْ           أن الذيــن عـنــتـْهُــمُ أجــدادي.. !

أحسسنا به وكأنه يريد أن يقول: لقد صرحت لها بأصلي العربي، وبأن وجهها يدل على أنها عربية الأصل مثلي، ولكنها "لم تدرك" ما عنيته، ولم تعرف دمشق ولا أين توجد رغم أنها اعتزت بانتسابها إلى العرب الذين بنوا أمجاد الأندلس، وهذا أمر يستحق التأمل والنقد.

ـ في البيت رقم 12 استعمل كلمة ) الكبّاد ( ومعناها: الأُترجُّ ويقال له الترنج، وهو من كلام العامة في لبنان وفي تونس أيضا، وهو شجر من جنس الليمون، كما جاء في المنجد، وأما "جنات العريف" التي تقع قرب قصر الحمراء، فما زالت تسمى بهذا الاسم إلى الآن وتنطق بالنطق الإسباني،

ـ في البيت رقم 17 وقع إبدال كلمة "مجد" بكلمة "زهو " كما نشرت في معجم البابطين المذكور آنفا.

ـ تعليقا على البيتين 20/21 كتبت على النسخة التي أملكها من ديوان "الرسم بالكلمات" لنزار قباني هذه الخاتمة المنظومة التي رأيت أنها أنسب للمقام، وهي خاصة بي، وقد يراها البعض مناسبة، ويراها البعض تدخلا في ملك الغير، والملاحظ أنني كثيرا ما أعلق على الكتب التي أملكها تعاليق شعرية أو نثرية من هذا النوع ولا يمكن أن أكون بهذا العمل متدخلا في ملك الغير، فقد لاحظت أن خاتمة القصيدة غير مناسبة لمعنى القصيدة، إذ لم أجد مبررا لهذا التمنـِّي، لذلك حولت في نسختي صدر البيت رقم 20 وصيرته على النحو التالي:

وا خجْـلـتي لو أن وارثـتي درتْ           أن الذيــن عنتـْهـمُ أجدادي!

وأخيرا فقد خطر لي أن أغير البيتين 20/21 تغييرا جذريا في هذا الاتجاه الذي يتماشى مع خاتمة قصيدة "أبو ريشة" التي حاكاها نزار قباني لتنسجم الخاتمة مع المعنى النبيل الذي ذهب إليه عمر صاحب الفكرة الأساسية الطريفة للقصيدة:

(لو أنَّ وارثـتي الجمـيـلةَ أدركــتْ)      أنَّ الــذيـن عــَنــتـْهمُ أجدادي..

(لمضت تقول بحسرةٍ: يا صاحبي         ضيعتـمُ الـفــردوسَ بالأحـقـادِ)

ومضـتْ تـودعني كأنْ قـد ودَّعـتْ        رجلا يُخالفُ (طارقَ بن زيادِ)

مع الاعتذار عن هذا التصرف الخاص الذي لم أنشره هنا إلا لأبرهن به على عدم توفيق الخاتمة "العقيمة" التي اختارها نزار قباني لقصيدته، فهي دون خاتمة عمر القصيدة الأصلية ذات الدلالة "العميقة".

أ. د. نورالدين صَمُّود

....................................

هوامش ومراجع

1) لمزيد الاطلاع على ما يتعلق بالشاعر عمر أبو ريشة انظر ترجمته في (معجم الشعراء من العصر الجاهلي حتى سنة 2002م لكامل سلمان الجبوري مجلد 4 ص ص 90/91 منشورات محمد علي بيضون / دار الكتب العلمية 1424هـ 2002م وفيه مصادر كثيرة لترجمته، وانظر الاثنينية ـ الناشر الشيخ عبد المقصود خوجه بجدة في الحفل الذي أقامه لتكريمه في ندوته المنشور في ندوته الأسبوعية يوم الاثنين ج 1 السنة الأولى 1403هـ 1982- 1983م رقم 13 في 12/7/1403هـ ص ص 435/472 وانظر صورا من ذلك الحفل ص ص 518/520/521. وانظر مجلة المعرفة (التي تصدرها وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية العدد 490 تموز 2004م ص ص 240/243 حوار مع الأديبة سعاد مكربل أرملة الشاعر الكبير عمر أبو ريشة أجراه معها كمال فوزي الشرابي وقد أشارت أرملة أبو ريشة في هذا الحوار إلى تكريمه في السعودية بنفس العدد 242

(وقد ذكر لي عمر أبو ريشة ـ في بداية لقائي به في بداية سهرة بالسفارة السورية بتونس مع نخبة من المثقفين من بينهم عبد الوهاب البياتي ـ خبرا غريبا وهو أنه كان ذلك اليوم في مدينة بنزرت وأنه قابل فيها جدته للأم(؟!) ثم دار في ذلك اللقاء حديث يحتاج إلى مزيد من التفصيل.)

2) انظر ترجمة نزار في "معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين" مجلد 5 ص78 وانظر (معجم الشعراء من العصر الجاهلي حتى سنة 2002م لكامل سلمان الجبوري مجلد 6 ص ص 30/31 منشورات محمد علي بيضون / دار الكتب العلمية 1424هـ 2002م وفيه مصادر أخرى لترجمته،

3) نقلنا قصيدة في طائرة من ديوان عمر أبو ريشة المجلد الأول دار العودة بيروت 1988 ص ص 89/92

4) نقلنا قصيدة غرناطة لنزار قباني من ديوان الرسم بالكلمات ص ص 181/185

5) نفضل أن يكون هذا البيت على النحو التالي:

هـل أنـت إسبـانيّـةٌ؟ ساءَلـْــتـُـهـا*قالــت: وفي غرناطــــةٍ ميلادي

وحول هذا التصويب حكاية طريفة نذكرها في مناسبة أخرى.

 

 

في المثقف اليوم