أقلام حرة
المعادلات الحاكمة لتشكيل الحكومة العراقية
تحكم العديد من المعادلات الداخلية والخارجية عملية تشكيل الحكومة العراقية المقبلة التي يبدو ان مخاض ولادتها سيكون عسيرا، وقد تحكمت بعض تلك المعادلات بعملية تشكيل الحكومات السابقة ومنذ اسقاط النظام السابق في العام٢٠٠٣ إلا انه بمرور الوقت أضيفت معادلات اخرى لم تكن بالحسبان. واما تلك المعدلات فهي:
أولا: نتائج الإنتخابات
وتعتبر هذه النتائج اولى المعادلات الحاكمة فوفقا لها يتم تكليف الفائز بالإنتخابات تشكيل الحكومة، لكن هذه المعادلة جرى كسرها في العام 2010 بعد خسارة قائمة دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي للإنتخابات ذلك العام لصالح قائمة العراقية برئاسة رئيس الوزراء السبق اياد علاوي. إذ قدمت المحكمة الإتحادية وبطلب من السلطة التنفيذية تفسيرا شاذا للمادة الدستورية التي تحدد هوية من يكلف الحكومة، إذ قضت بان الكتلة الأكبر التي تتشكل في البرلمان بعد انعقاد اول جلسة له هي التي تكلف بمهمة تشكيل الحكومة وليس الكتلة الفائزة بالإنتخابات. وكانت الدوافع التي وقفت وراء هذا التفسير الشاذ هو حرمان قائمة العراقية من فرصة السعي لتشكيل الحكومة، وكانت نتيجة ذلك ان المحكمة فتحت الباب على مصراعيه امام الخاسرين لتشكيل الحكومة وحرمان الفائز من تشكيلها، في حين تقضي الأعراف الديمقراطية بمنح الفائز الفرصة فإن فشل فيتولى المهمة من يليه في عدد المقاعد، وهكذا أصبح تفسير المحكمة الإتحادية عنصرا حاكما على نتائج الإنتخابات.
ثانيا: تمثيل المكونات العراقية
وتعتبر هذه المعادلة واحدة من اهم المعادلات الحاكمة لتشكيل أي حكومة منذ العام ٢٠٠٣، ويعود سبب ذلك الى انعدام الثقة بين المكونات العراقية المختلفة وخاصة الشيعة والسنة والكرد بعد تجربة النظام الدكتاتوري السابق المريرة، ومخاوف المكونات تارة من تهميش بعضها للبعض الأخرى وتارة من مخاوف هيمنة مكون واحد على مقاليد الأمور في الدولة. كما وتخندق القوى السياسية المذهبي أو القومي، لم يسمح بظهور حزب او تيار عابر للقوميات والمذاهب وقادر على استقطاب الجماهير العراقية بغض النظر عن انتماءاتها الطائفية او العرقية، ولذا فقد جرى عرف يقضي بتقاسم السلطة حتى لو فازت كتلة من مكون واحد باغلبية مقاعد البرلمان.
ثالثا: التدخل الإقليمي والدولي
وتعتبر هذه المعادلة أهم المعادلات التي حكمت عملية تشكيل الحكومات السابقة، إكان العامل الدولي هو الفاعل في تشكيل الحكومة عام 2006 لكن هذا العامل تراجع لصالح العامل الإقليمي منذ العام 2010. فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية اللاعب الأكبر في العراق بعد نيسان 2003 حيث كانت تحتفظ بجيش على الأرض وقواعد عسكرية وسفارة ضخمة بالإضافة الى انها نسجت علاقات واسعة مع اطراف المعارضة العراقية، فكانت الحكومة تطبخ في السفارة الأمريكية، وكانت القوى السياسية العراقية تحاول كسب رضا الجانب الأمريكي لضمان موقع لها في الحكومة. إلا أن الدور الأمريكي بدأ بالتراجع رويدا رويدا لصالح الجارة ايران ولإعتبارات لامجال للتطرق لها الآن حتى أصبحت طهران هي اللاعب الأكبر في تحديد هوية من يشكل الحكومة، وقد ظهر ذلك جليا في العام 2010 وبعد خسارة دولة القانون للإنتخابات حينها، حيث استغرق تشكيل الحكومة قرابة التسعة شهور، ولم ترى الحكومة النور لولا التدخل الإيراني الذي أفضى الى إجبار التيار الصدري على ترجيح كفة نوري المالكي لترؤس الحكومة. واما الدول الإقليمية الأخرى وفي مقدمتها تركيا والسعودية فهي الأخرى تلعب دورا في العراق وخاصة مع القوى السنية التي تحاول تركيا استقطاب المحسوب منها على جماعة الأخوان المسلمين منها فيما تحاول السعودية استقطاب القوى الأخرى.
رابعا: حزب الدعوة الإسلامية
دخل حزب الدعوة كعنصر ضاغط في تشكي الحكومات المتعاقبة حيث تولى أثنين من امنائه العامين رئاسة الحكومة بالإضافة الى القيادي حيدر العبادي الذي يرأس الحكومة الحالية، حتى تحول الحزب الى معادلة أساسية في تشكيل أي حكومة، ويواجه الحزب كافة الدعوات لذلك بالتهديد بحرب أهلية او بإدخال العراق فيما لايحمد عقباه وكما صرح مرارا وتكرارا امينه العام. واللافت ان مقاعد الحزب البرلمانية في جميع الإنتخابات تراوحت بين 30 و40 مقعدا عل أفضل التقادير لكن الحزب يشكل الحكومة كل مرّة مما يضع علامات استفهام حول من يفرض مثل هذه المعادلة. ولم تشذ هذه الإنتخابات عن سابقاتها والتي خسرها الحزب إذ لم يفز في كلتا القائمتين اللتين قادهما وهما النصر ودولة القانون باكثر من ثلاثين مقعدا لكنه لايزال متشبثا بكرسي الحكم ومصرا على المضي قدما في قيادة البلاد بالرغم من فشله الذريع في إدارتها.
خامسا: مافيات الفساد والدولة العميقة
ترعرعرت في ظل الحكومات المتعاقبة مافيات للفساد تهيمن على مقدرات الدولة ومعظم هذه المافيات مرتبطة بالقوى السياسية، حيث تمتلك وسائل اعلام وقوات مسلحه، و تلعب هذه المافيات دورا كبيرا في تشكيل أي حكومة مستخدمة المال المنهوب من خزائن الدولة ومن ناحية اخرى تستخدم سلاح المناصب والإمتيازات لإغراء الأطراف المختلفة للدخول تحت عباءة من يشكل الحكومة، وتشير الأرقام التي تم تداولها مؤخرا حول اسعار بعض الوزرات الى مدى تغلغل هذه المافيات وتحكمها بمقدرات الدولة، كما وانها تمتلك القدرة لعرقلة عمل أي حكومة ولا تسمح لها بالعمل بحرية مطلقة وكما حصل خلال حكومة العبادي الحالية التي وضعت عصي في دواليب عملها، حتى اجبرت رئيسها على التخلي عن وعوده بمحاربة الفساد وأثبت انه أضعف كثيرا من تلك المافيات.
سادسا: الشعب العراقي
لاشك بان معادلة الشعب هي أساس معادلة الإنتخابات، لكن الشعب دخل اليوم وبرغم نتائج الإنتخابات ولأول مرة كمعادلة ضاغطة في تشكيل الحكومة المقبلة، ويعود ذلك الى مقاطعة اكثر من نصف الناخبين العراقيين للإنتخابات الأخيرة التي اجريت في شهر مايو الماضي، والى إنتفاضته الأخيرة ضد الفساد والفشل الحكومي والتي أجبرت بعض السياسيين على الإعتراف بفشلهم وتقصيرهم وطلب الإعتذار من الشعب، وبالشكل الذي سيجبر القوى السياسية على التفكير ألف مرة قبل تشكيل الحكومة المقبلة وفقا لمبدأ تقاسم الإمتيازات والمناصب ونهب الثروات وليس لحل ازمات البلد، إذ من المتوقع ان تندلع تظاهرات شعبية تمنع تشكيل الحكومة المقبلة في حال أصرت بعض القوى المتهمة بالفشل والتقصير والفساد على البقاء في السلطة.
سابعا: المرجعية الدينية
لعبت المرجعية الدينية ومنذ اسقاط النظام السابق دورا فريدا من نوعه في ارساء أسس العملية السياسية بالإضافة الى دورها المحوري في تحطيم بعض المعادلات التي تحكم العملية السياسية. فولا إصرار المرجعية على إجراء إنتخابات في العراق عام 2005 لما رأت هذه العملية السياسية النور، كما ان المرجعية هي التي مكنت المكون الأكبر من حكم العراق بالرغم من التحديات الكبيره التي كانت تواجهه حينها وخاصة. ولم يكن امام المرجعية من خيار حينها سوى دعم قوى المعارضة ”الإسلاميه“ التي كانت تعيش في الخارج، إلا أن تلك القوى خيبت ظن المرجعية وظن الشعب العراقي بسوء أداءها مما دعا المرجعية الى إغلاق بابها بوجه تلك القوى وخاصة بعد العام 2010، لكن المرجعية تدخلت بشكل واضح لمنع انحدار البلاد الى ماتحمد عقباه وأعلنت وبشكل صريح معارضتها لبقاء رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في منصبه لولاية ثالثة. لعبت المرجعية دور الحاكم على المعادلات السابقة، فعلى صعيد الإنتخابات فقد غيرت المرجعية بوصلة الناخب العراقي في الإنتخابات الأخيرة حيث عزف الناخب عن انتخاب وجوه تصدرت المشهد السياسي طوال السنوات الماضية، كما وان المرجعية اعلنت وقوفها خلف الشعب العراقي في انتفاضته الأخيره التي أفضت شرعيتها عليها، فيما وضعت أسس تشكيل الحكومة المقبلة ومواصفات رئيسها المقبل، مهددة باستخدام الورقة الشعبية في حال عدم الإستجابة لشروطها.
وهكذا تبدو المرجعية هي المعادلة الحاكمة على جميع المعادلات السابقة، ومن يتجرأ على اعادة الكرة عبر تشكيل حكومة من الفاشلين والفاسدين وعبر الإستعانة بالخارج او بمافيات الفساد أو إحتكار حزب الدعوة لمنصب رئيس الوزراء أو اٌلإستخفاف بالشعب العراقي فإن المرجعية لن تخذل الشارع العراقي ولن تصمت وقد حذرت من غضب الشارع وستقول كلمتها التي ستقلب الطاولة على رؤوس الفاشلين المتشبثين بالكراسي رغم فسادهم وكما قلبتها من قبل على رأس المالكي عام 2014 ومن يجرؤ على تحدّي ارادة المرجعية فليجرّب حظّه العاثر!
ساهر عريبي