أقلام حرة

قيادات عراقية تحت راية ترامب

سليم الحسنيما يريده ترامب ترويض هذه الأمة، فيجردها من إرادتها حبةً حبةُ، حتى يوصلها الى مستوى الخنوع الكامل. ولم يخف ترامب أغراضه، لقد كان واضحاً مباشراً في خطاباته وتصريحاته وتغريداته ومواقفه، لدرجة أن الشعب الأميركي والشعوب الغربية أبدت استياءها منه، وقد خرج البريطانيون في شوارع لندن يدينون زيارته لعاصمتهم، وقد كان شعارهم أنه يحمل أفكاراً معادية للأنسانية ولشعوب العالم.

نجحت الولايات المتحدة على مدى عقود من الزمن، في فرض نسختها عن الإسلام الأميركي، فدانت به حكومة آل سعود وحكومات قطر والامارات والكويت وغيرها. وكانت تريد بذلك إنهاء الإسلام المحمدي الأصيل الذي تجد فيه التحدي الأكبر والعدو الأول في معركتها الحضارية التي لا تتنازل عنها، بعد ان تبنت آراء برنارد لويس كاستراتيجية ثابتة.

لكن الولايات المتحدة وجدت، أن نسختها عن الإسلام، لم تنتشر في عموم الشرق الكبير، فهناك إيران التي وضعها السيد الخميني على طريق واضح من القيم، وقد حافظت عليه الى حد كبير، مع ملاحظاتنا على نقاط الخلل الكثيرة التي رافقت تجربتها داخلياً وخارجياً. لكنها تمسكت بالمبادئ الأساسية فيما يتعلق بالموقف من النفوذ الأميركي وتدخله في المنطقة وفي شؤون المسلمين.

وهناك العراق المستند الى رصيد عميق من الفكر الإسلامي، وتراث عظيم لمدرسة أهل البيت، حافظت عليه المرجعيات الشيعية عبر قرون الزمن.

والعراق هو عاصمة التشيع، ومنبع القرارات التاريخية في التصدي للاستعمار واعتداءاته على الأمة الإسلامية وإنتقاصه من سيادتها، وهو ما تمثل في فتاوى مراجع الشيعة في العراق ضد اتفاقية التبغ البريطانية في إيران، وفي الاحتلال الروسي لشمال إيران والاحتلال الإيطالي لليبيا، وفي مقاومة الاستعمار البريطاني للعراق، والاستيطان الصهيوني في فلسطين وغير ذلك الكثير من المواقف التي رسمت معالم بارزة من التاريخ الحديث.

كانت الاصالة الإسلامية في إيران والعراق ـ ونقصد بها أصالة المرجعية والحركات المنطلقة منها ـ هي ما شكلت عقدةً كبيرة داخل العقل الأميركي، وكان التفكير المكثف يدور حول كيفية تمزيق النسخة المحمدية من الإسلام، واستبدالها بالنسخة الأميركية.

قطع الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش جزءاً كبيراً من المهمة، حين فرض على العراق عملية سياسية شوهاء، تشوهت فيها صورة الإسلاميين حين اشتركوا مع غيرهم من الكيانات في إدارة فاشلة للدولة.

لكن بوش لم يستطع أن يحقق المهمة كاملة، فقد كانت هناك قلعة حصينة في النجف الأشرف يصعب التأثير على رمزها المتمثل بالمرجع الأعلى، وأن فتوى واحدة منه بمقدورها أن تغير مجرى الأحداث كما حدث في اطفاء الفتنة الطائفية وفي فتوى الجهاد الكفائي التي حمت العراق من (داعش) وهي إحدى نسخ الإسلام الأميركي.

وعندما جاء ترامب الى الحكم، أكمل المشروع الاستراتيجي، مع تعديلات مهمة على الأسلوب، فقد وجد ترامب أن العقبة تكمن في إرادة الأمة، فعمل على ترويض شعوبها وتدجين إرادتهم شعباً شعباً، فشجع السعودية على عدوانها ضد الشعب اليمني صاحب الإرادة الشامخة، ثم طرح صفقة القرن ليذل الأمة الإسلامية باجمعها، وبعد ذلك توجه نحو إيران ليقضي على إرادة شعبها بالتجويع الاقتصادي. وفي ذهنه العودة الى العراق ثانية ليجتث قلعة الإسلام المحمدي منه، ويفرض عليه النسخة الأميركية واسعة الانتشار.

أعلن ترامب أنه يريد التفاوض مع الحكومة الإيرانية، وأعلن في نفس الوقت أنه يفرض عقوباته على إيران وعلى من يتعاون معها تجارياً. ولم تكن هذه حماقة من شخصيته التي اشتهر بها، فهذه أميركا دولة المؤسسات والتخطيط العميق. إنما كان طرحاً ذكياً لإخضاع الشعوب، وقتل إرادتها، وهذا هو المطلوب.

ولأن دول العالم التي تحترم نفسها وشعوبها، تعرف الفكرة جيداً، فقد رفضت قرار ترامب، وأعلنت ذلك رسمياً، مع أنها ترتبط بالشركات الأميركية بمصالح كبيرة قد تهدد اقتصادها بأزمات حادة.

أما الدول المهزوزة بقياداتها السياسية والرسمية، فانها أعلنت الالتزام والطاعة لأوامر ترامب. وهذا ما يريده رئيس أميركا، فهو لا يستهدف أوروبا وروسيا والصين والهند وغيرها، بل يستهدف الإرادة الجماهيرية للشعوب المسلمة في العراق وإيران والمنطقة.

نجح ترامب حتى الآن في العراق، وقد وجد أن معظم القيادات إما مؤيدة أو ساكتة، وهذا يكفيه فتلك خطوة واحدة، وستتبعها خطوات، وستكون النتيجة التي يريدها: نعم نعم أمريكا بدل: كلا كلا أمريكا.

 

سليم الحسني

 

 

في المثقف اليوم