أقلام حرة

"الدوبرمان" و"الجنتلمان" "الداعش مان"

علي المرهج

الدوبرمان هي أحد أنواع الكلاب التي تتميز بالذكاء والنشاط والحيوية، وقد أستخدمت ككلاب بوليسية أو ككلاب للحراسة تُحسن الألفة مع البشر.

لا أروم الخوض في صفاته اللونية أو بنيته الجسدية، أو حدود وزنه أوعمره، ولكن "الدوبرمان" كلاباً ليست عدوانية، لذلك تم تربيتها لتكون كلاب حماية، ومن ميزاتها الطاعة لصاحبها والدفاع عنه ساعة شدَة، تتميز بوفائها لمُربيها أو مالكها.

لربما يكون في إطلاق صفة الذكاء على الكلاب أمرُ غير مُستحسن بين بني البشر، ولكن لا مناص من إطلاق الوصف على الكلاب، كما أطلق عليها صفة الوفاء، ولربما يُزيد التدريب من صفات الذكاء والوفاء عند هذا الصنف من الكلاب.

لأن للكلاب، والدوبرمان على وجه الخصوص القُدرة على التحكم بغرائزها وشهوانيتها في الاعتداء،، فهي مُن الُممكن أن تعتدي على العدو، ولكنها من الصعب إن لم يكن من المُحال أن تعتدي على صاحبها.

وقد كتب خالد القشطيني عن وفاء الكلب في عموده في صحيفة الشرق الأوسط 27/أكتوبر/2017، أن الإنكليز يُخلَفون ثروتهم للكلاب، وتسمعهم يقولون "الكلب أوفى صديق للإنسان"، ولكن العرب يستخدمون المثل الشائع " أجعل كلبك يتبعك" رغم وجود بعض أقوال لهم في مدح وفاء الكلب، وتناسى العرب قول عامر بن جُذيمة "أجل، أجع كلبك يتبعك"!، ثم قال "ربما أكل الكلب مُؤدبه، إذا لم ينل (الكلب) شبعه".

وقيل في حكم العرب "أن هناك ملكاً كان يرمي كل مُعارض له لكلاب جوعها لمُدة عشرة أيام، وحينما طلب رأياً من أحد وزرائه، فجاء الرأي مُعارضاً لمرام الملك، أمر الملك برميه للكلاب الجائعة، فطلب منه الوزير، صاحب الرأي أن يُمهله عشرة أيام قبل رميه، فاستجاب الملك لطلبه، فذهب الوزير لمُربي الكلاب فطلب منه أن يسمح له بتربية ومتابعة الكلاب وحاجاتها طيلة هذه الأيام العشر، فكان له ما أراد، فعمل الوزير على خدمة الكلاب وتوفير حاجاتهن طيلة هذه الأيام، والملك وحاشيته يراقبونه، فقال له الملك بعد انقضاء المدة التي أمهلها له:

ماذا فعلت بالكلاب؟

فأجاب الوزير: خدمت هذه الكلاب عشرة أيام فلم تنس هذه الخدمة وهي الآن تننتظرني، وأنا خدمتك عشرة أعوام فنسيتها بلحظة!.

ولك أن تعود لتبحث بالغوغل كما فعلت أنا لتجد العجب العُجاب عن ذكاء ووفاء الكلاب، ولن أستطرد أكثر وأترك لك صديقي القارئ مهمة البحث والتقصي عن مآثر الكلاب ووفائهن.

ولك أن تقيس أفعال الكلاب من "الوولف دوك" و "الدوبرمان" مع أفعال الخيرين من "الجنتلمان" أو "السوبرمان" أو حتى "البات مان" و "السبايدر مان"، فمثل هكذا شخصيات صنعها خيال الكاتب، كثيرٌ فيها من الصفات المُشتركة مع كلاب "الدوبرمان"، ومن هذه الصفات: الوفاء، ومنها الذكاء، ومنها القوة، ومنها التواضع ومحبة الأصحاب، وحُسن الترحاب بهم وحميمية ومصداقية المُلاقاة، بل وشعورهم بالمسؤولية ومُراقبة المُغرض ممن يروم الكيد بأصحابهم، والتسامح مع من يُحبهم أهل الدار، ومنها الدفاع عن الأخيار من الأصحاب ساعة فقدانهم للإحساس بالأمان.

فهل هناك من صفات تتوافر في "الجنتلمان" تجدها مُخالفة عن سمات وصفتها في "الدوبرمان"؟.

تلك هي صفات اختص بها "الجنتلمان" واشترك فيها بخصال عدَة معه "الدوبرمان"، ولكننا من الصعب أن نجد بتقصٍ في البحث وبجهد جهيد عن صفات فيها مآثر يُمكن لنا أن نُفضل بها "الداعش مان" على "الدوبرمان"، لأن ميزات شخص من "الداعش مان" هأنه شخص أقل وفاء وذكاء من "الدوبرمان"، ولربما نظلم "الدوبرمان" ونضعه في زاوية مُظلمة كزوايا الظلام التي وضع "الداعش مان" بها أنفسهم"، لأن "الدوبرمان" يعيش في أماكن مُرفهة، وفي حدائق غنَاء، يُجيد شم عطر النساء الفاتنات، ويُحسن تنغيم صوته ونباحه في التعبير عن مشاعره الصادقة في الترحيب، وهو صادق صدوق يشم روائح الفاسدين من "الداعش مان" الذين يشم روائحهم الكريهة على بعد عشرات إن لم يكن مئات الأمتار، فيكون النباح بصوت مُدو يُنبئ عن كراهية وحقد قادم من طيات تاريخ تراث فاسد إنتقاه "الداعش مان" وأشباهه من الذين يتخذَون من تراث الاغتيال والتقتيل والعُنف مثالاً كي يجعل منه أنموذجاً لحياة عصرية لا عصرية فيها سوى أنه مُنتج لمشروب عراقي أصيل من الخمر هو عرق "العصرية" الذي أنتجه العراقيون كي ينتشوى بزهو الحياة التي سُرقت منهم ولا زالوا يحلمون بحياة خلدون بشرهم به "كلكامش" يستمدون منه بعض من جبروته للبقاء على قيد الحياة حالمين بالخلود. أو ربما هم ورثة علاء الدين في من الذين لهم حق الإرث لمصباحه، كي يفركوا مصباحه السحري، ليقول له: (شُبيك لُبيك، عبدك بين إيديك) وفرك العراقيون المصباح فظهر لهم مارداً يقول لهم: (سأكتب لكم تأريخاً فيه ماض تتغنون، ولكنكم إن لم تعملوا وفق ما آمركم به سأصنع حاضراً لكم من فعل يديكم، وإن لم تفعلوا سيكون ماضيكم وبال عليكم، وسأجعل من تاريخكم المُضيء، تاريخاً أسوداً لأنكم لم تعملوا ما ينبغي عليكم أن تفعلوه بأيديكم)، "فإن الله لا يُغيَر ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم"

ولأعود للـ "الدوبرمان" الذي تميَّز بوفائه وذكائه، فهو يشم رائحة الفساد قبل أن يشمها أهل الدار وإن كان بعضهم من الفُسَاد، فـ "الدوبرمان" يستشعر الخطر قبل وقوعه، ولكن بعض من قادة الأمن في بلادنا يعملون على تنويم "الدوبرمان" كي لا يكشف عن عوراتهم، وغباء تخطيطهم الأمني.

ولأنهم فاسدون يعملون على تنويم "الدوبرمان" كي لا يفضح عوّراتهم، يغضون الطرف عن أفعال "الداعش مان" ليخرجوا لنا ببيانات الشجب والرفض، والإدانة لأفعال "الداعش مان الإجرامية" وتشكيل اللجان التحقيقية، لإيهم بعض البُسطاء من الناس إنما هم يعملون، ولكن صديقي القارئ أن تضع في حساباتك أن في كل عمل أو "براكسيس" أو "مُمارسة" فعلية للإنجاز، إنما هناك عمل فيه تسويف ولعب على عواطف الجماهير. الغرض منه التغطية على فشل الأجهزة الأمنية التي تُجيد التنبوء بها أجيال مُدربة من "الدوبرمان" أكثر مما تُجيده أجيال من قادة "الدمج مان" من الذي أُلحقوا قهراً وقسراً بالأجهزة الأمنية بفعل خدمتهم الجهادية، ولكنهم جاهلون، ولا دراية لهم في علوم الأمن وعمل الأجهزة المُخابراتية!.

"الداعش مان" يعمل وفق أيديولوجيا ورؤية "فكروية" أو "أيديولوجية" لها تنظيم تراتبي أو خيطي، أو لا خيطي، ولكنهم يعملون وفق منظومة أساسها الولاء والإنتماء لعقيدتهم، والمُقابل الأمثل لتقزيمهم أو التقليل من خطرهم، إما أن يكون بالاعتماد على منظومة أمنية تعمل بمهنية ليست خاضعة لتأثير "الدمج مان" أو بالاعتماد على أجهزة أمنية ولائها للوطن فحسب، وتوظيف أمثل للـ "الدوبرمان" مثال الذكاء والولاء.

لقد طرح جوزيا رويس فيلسوف الأخلاق الأمريكي رؤية لفلسفة الولاء في كتابها بالعنوان ذاته "فلسفة الولاء"، القائمة على الولاء من أجل الولاء، وتلك صفة في "الدوبرمان"، في تفانيه وولائه لصاحبه والدفاع عنه، فلا تردد ولا حيرة عند "الدوبرمان" ساعة شعوره بضورة الدفاع بوصفه تعبير عن وفاء لصاحبه حينما يتعرض للخطر.

فمن ميزات "الداعش مان" المتساوقة مع الدوبرمان" هي الولاء، فالولا مثال له ولاء "الداعش مان" لفكرته، ولولا الولاء لأختفت الحرب، ولولا ولاء "الدوبرمان" لصاحبه، لأختفى الدفاع.

فمن يُهاجم ويُحارب إنما يسير وفق رؤية فيها الكثير من الوثوقية بالحرب، رغم وجود بعض من الذين يسيرون للحرب خارج الوثوقية التي تبنيها "فلسفة الولاء".

ما يُميَز "الداعش مان" عن "الدوبرمان" أن الأول لديه قضية وقناعات عقائدية أو "فكروية" = "أيديولوجية" ترسخت في مُخيلته وفي عقله "الدوغمائي"، ولا أضع مقياساً لصواب هذا التوجه أو بُطلانه، لأن طبيعة الصراع في الحرب تقتضي أن يكون الفرد رهين القرار السياسي للسلطة الحاكمة والسير وفق رؤيا الجماعة التي هو جزء مُجذرة أصوله العرقية أو الطائفية فيها، وفي تصويرنا هذا نبني مُشترك لرؤية في "فلسفة الولاء" بين "الداعش مان" و "الدوبرمان" أساسها الإنتماء، والدفاع عن المُصير المُشترك الذي تغيب فيه إرادة الفردة وسط "الحس الجمعي" الذي يبنيه الصراع والتحدي وفق رؤية ـ عادة ما تكون ـ خارج نطاق العقل وتحكمه.

لذلك تجد كثير من الجماعات لا تستطيع الخروج عن أطر ودوغمائية الأسيجة التي تصنعها ما أسماها لاجوزيا رويس "فلسفة الولاء" التي تبنيها الأسرة، والمدرسة، ودور العبادة، و"الحزب القائد" في الدول ذات الرؤية الأيديولوجية المُنغلقة، لذلك نجد الوردي يؤكد على أن الإنسان أسير مُحيطه الاجتماعي وهو يعيش تحت تأثير "التنويم الاجتماعي" الذي هو شبيه بـ "التنويم المُغناطيسي" تغيب فيه الإرادة الفردية" ليكون محكوماً بعادات وقيم المُجتمع الذي نشأ فيه، فكل إنسان بسيط أو مُتعلم منَا، إنما هو مُقيد ـ "إطار فكري" أو "قوقعة اجتماعية" لا يستطيع الخلاص من سطوتها، إلَا حينما تكون له القدرة بفعل مؤثر خارجي عبر "التلاقح الثقافي" للخروج من سطوة هذه الأطر أو "القوقعة الفكرية" أو "الأسيجة الدوغمائية" بعبارة محمد أركون، تلك الأسيجة التي تجعل العقل الفردي أسيراً لرؤى الجماعة.

والولاء ليس سيئاً بحد ذاته، بل كُل فرد منَا ينبغي أن يمتلك رؤية لـ "فلسفة الولاء" التي لا تُبعده مسافات عن وجوده وجذره التكويني، فبعض من "فلسفة الولاء" هو الاعتداد بالنفس والثقة بها، وهذه من طبع الفرد الحُرَ المُتعقل، وهي بعض من صفات المواطنين الذين يعشقون أرضهم وثوابت وجودهم المُجتمعي وتوصيفهم الهُووي (نسبة للهوية)، وفي ذلك عزَة للفرد والمُجتمع، فبعض أو كثير في الولاء للخصوصية المُجتمعية تعبير عن حضور ومُشاركة في إنتاج نزعة إنسانية عالمية، أو كونية، من دون إفراط أو تفريط، بعبارة أرسطية، أي من دون نزعة عولمية مؤمركة كما يروم "الأمركان مان" السياسي، وإصراره على تصدير أنموذجه بالقوة بوصفه الأنموذج الكوكبي، أو العولمي الأمثل، عبر استخدامه "العصا الغليضة" بعبارة "لنكولن" ليكون شرطي العالم في صناعة "المُطابقة" وتصديرها بالقوة، ورفض "الإختلاف" ورفضه بالقوة.

وبالمُقابل فعل "الداعش مان" الذي يُفرط في رفضه "الفكروي" لكل نتاج الحداثة، ودعوة للعودة لعصور خلت، وهو يركب ويستخدم كل نتاجات الحداثة وما بعد الحداثة ببعدها العولمي ونتاجه المؤمرك، بلباس قصير ولحية طويلة بلا شارب، ويحمل السلاح المؤمرك ويُحارب، ويا ليته حمل السيف، ولكنه يعلم علم اليقين أنه سيكون مغلوباً لا غالب.

ولكن "الدوبرمان" فيه كثير من سجايا "الجنتلمان" كما ذكرت آنفاً، والتي لم ولن تجد بعض منها في سجايا دُعاة "الداعش مان"، ففي "الدوبرمان سجايا محبة ووفاء لصاحب، وإن ظهر عنده بعض من خلة، وهي من صفات "الجنتلمان"، ولكنك ستجد في الداعش مان نُكران لوفاء وغدر لجار وانتهاك لحُرمات مُجتمع عاش فيه سنوات، ولكنه إنتهك حُرمات أول جار، فكيف بسابع جار!، ولك مثال في تعديهم على حرمة الأخيار من الأيزيديين والنصارى من أهل الكتاب من الذين عاشوا وأكلوا وشربوا معهم وهم في الأصل أهل الديار، فذلك أمر فيه خسة لا يفعله إلَا أراذل القوم من الأشرار.

وهل يفعل "الدوبرمان" من سلالة الكلاب ما فعله "الداعش مان" من سلالة يزيد وآله الفُجَار؟!.

 

د. علي المرهج

 

في المثقف اليوم