أقلام حرة

التوريث عاهة إقتصادية فادحة الخسائر!!

صادق السامرائينظام الوراثة العاصف في مجتمعاتنا عامل أساسي في تدمير الإقتصاد وتمزيق المجتمع، لإرتكازه على قواعد ومنظومات بائدة تفكر بأسلوب نفقي ضيق، يسعى لتحجيم الثروة ومنعها من التطور والنماء، أي أنه سلوك إفقاري إستنقاعي يجعل المجتمع يراوح في ذات المكان، فالذي يعمل ويبني ثروة فأنها ستتبدد بعد موته ويضيع جهده وما جد وإجتهد في إقامته وإبتكاره.

وهذه الحالة عاهة إقتصادية مروعة تمنع المجتمع من الوصول إلى بناء المؤسسات الإقتصادية ذات القيمة العملية والربحية المؤثرة في حياة الأجيال، لأن مثل هذه النشاطات تحتاج إلى تفاعل أجيال وتواصلها، وهذا ممنوع وفقا لنظام التوريث الفاعل في مجتمعاتنا المأسورة بالغابرات.

وهذه العلة الوخيمة هي الفارق الأساسي ما بين المجتمعات المتقدمة ومجتمعاتنا، التي أفقدت الإنسان الإندفاع نحو النشاط الإقتصادي المؤسساتي، وبناء الشركات والمشاريع المتطورة التي تضاهي ما هو قائم في الدول المتقدمة، ولهذا فأن المجتمع بأسره يعتمد على الدولة للقيام بهذه النشاطات، ومن النادر أن تجد مؤسسات وشركات ذات ملكية فردية أو عائلية متواصلة عبر أجيال في مجتمعاتنا ، لأن نظام التوريث يقضي عليها بعد موت مؤسسها أو صاحبها.

قد يقول مَن يقول أن ذلك يتعارض مع كذا وكذا، وأن هذا في كذا وكذا، ولا يمكن الإخلال به لأنه كذا وكذا، وذلك واضح لكن الدنيا قد تغيرت، وما عادت كما كانت أن يترك المتوفي مواشيا أو بستانا صغيرا أو غيرها من الأمور البسيطة في طبيعتها ودورها وقيمتها، فما كانت آنذاك شركات ومؤسسات ومبتكرات وإمبراطوريات إقتصادية أو ثورات صناعية ومعلوماتية.

إن نظام الميراث المعمول به في مجتمعاتنا قد يصلح للحالات البسيطة التي لا تؤثر كثيرا على الحياة في المجتمع، لكنه إذا طبّق على حالات كبيرة فأنه يؤدي إلى إنهيارات إقتصادية، ويمنع الإستثمار والقدرة على التفاعل االمتطور في المجتمع.

كما أن هذا النظام المعادي للتطور الإقتصادي، ينزع من الفرد أي رغبة في الإبداع الإقتصادي، لأنه سيفكر بما سيحصل لأبنائه وبناته من بعده، خصوصا إذا كان من عائلة ورثت كثيرا، وعانت من العداء ما بين الأخوة والأخوات بسبب الميراث.

إذ يشيع الكراهية والبغضاء والعدوانية ما بين أبناء الأب الواحد والأم الواحدة، ويمنع الأب من التصرف بحرية لصيانة ما شيّده من مشاريع وممتلكات، لأنه أيضا لو لجأ إلى أسلوب آخر للحفاظ على ما يملك، فأن العداوة ستتحقق ما بين الأخوة والأخوات.

والتوريث يرتكز على الحاجات الأساسية للبشر ولا يفكر بالمعطيات الأخرى، والفائدة الإجتماعية والإقتصادية على المجتمع لو تم الحفاظ على الثروات وتطوير الإستثمار فيها.

وهو من الأسباب الفعّالة في إشاعة الفرقة في المجتمع، ويمزق اللحمة الإجتماعية ويبعثر التماسك الإجتماعي، لأنه مبعث للكراهية والعدوانية ما بين الأقارب في مجتمعاتنا، وبسببه لا يمكن للمجتمع أن يكون قويا.

إن الواقع المعاصر يستدعي إعادة النظر بموضوع التوريث ووضع قوانين مدنية ذات قيمة إقتصادية، وقدرة على المساهمة في تطوير ما يبدؤه الفرد وكيفيات تواصل ذلك عبر العائلة، فلا يصح في الأفهام تبديد ثروة فرد بناها بجهده وفقا لآليات الميراث العتيقة، في زمن ما عاد للإشتراكية دور نافع في حياة الشعوب، ونظام الميراث إشتراكي صرف سبق الشيوعية ومنابع الماركسية بقرون عديدة.

فمجتمعاتنا إشتراكية بحتة في السلوك وآليات الإفقار وإضعاف الثروات، لكنها ضد الإشتراكية قولا، وهي التي تدين بها وتعتقدها.

ربما ستثير هذه المقالة هجوما من قبل الجهلة والعجزة المتخندقين في أنفاق تعطيل العقل، والمتأسنين في أوعية التبعية والمعتقين في دنان قال فلان وذكر فلان، والذين يقدسون كل شيئ، بل يصنمون ويؤلهون العديد من الأدعياء، والذين أسهموا في مصائب أمة ودين.

فالتوريث نظام عتيق فجددوه بقوانين مدنية واعية، وإن لم تفعلوا فاقرؤا السلام على أي نمو إقتصادي!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم