أقلام حرة

قراءة في: بجناح واحد أطير

سوف عبيدأضحت قصيدة الومضة منذ الثلث الأخير من القرن العشرين هاجس العديد من الشعراء في تونس ولعل الشعراء صالح القرمادي والحبيب الزناد والطاهر الهمامي يمكن اعتبارهم من رواد هذا الشكل الجديد في المدونة الشعرية العربية .

ومن الشعراء اللاحقين بعدهم لا مناص من ذكر سالم اللبان الهكواتي الذي كتب في هذا النوع الشعري معتمدا على تقنيات الهايكاي الياباني وله فيه مدونة كبيرة ومهمة

ولا شك أن الجيل الجديد الذي ظهر في السنوات الأخيرة قد استفاد من إنجازات سابقيه في كتابة هذا الشكل الحديث من الكتابة الشعرية الذي يعتمد خاصة على الإيجاز والمباغتة وتناول الجوانب الدقيقة من زوايا مختلفة وخفية في مواضيع الحياة العامة أو الطبيعة أو الشجون الذاتية ولا شك أن هذا المنجز الشعري الجديد يحتاج إلى تناول من جوانب عديدة خاصة وأنه أمسى يمثل جزءا كبيرا من المنجز الشعري الحديث

*

الشاعرة سونيا عبد اللطيف في ديوانها الصادر أخيرا عن الاتحاد للنشر بعنوان - بجناح واحد أطير - يندرج لا محالة في هذا الشكل الجديد من الشعر الحديث وهي لئن نشرت عددا قليلا من نصوصه ضمن مجموعتها الأولى - امرأة استثنائية - إلا أنها في هذه المجموعة الثانية قد جعلتها بتمامها وكمالها ضمن شعر الومضة وقد وقف الناقد الجزائري محمد بغورة الصديق والناقد الأردني هاشم خليل على بعض خصائص هذه الومضات من خلال المقدمتين منوهين بمسيرة الشاعرة مما يؤكد أنها قد تجاوزت مرحلة الهواية لتأخذ مسألة الأدب بجد وعزم على المواصلة والإضافة ومبشرة بقيم المحبة والوئام بين الناس حيث تقول في ومضة - حب في المزاد - ص55

لو يباع الحب في المزاد

لو يباع الإحساس بالإحساس

لاقتنيت منه دون حد

لكل الناس

وكأنّ هذا الطموح الجميل وهذا الحلم الإنساني الصافي يبدو لها صعب المنال أو يحتاج إلى زمن طويل فلا مناص لها من الانتظار حيث عبرت برمز أهل الكهف في ومضة أخرى بعنوان - انتظار - ص73

أهل الكهف

في انتظاري

وأنا

لم أبعث بعد

من رمادي

وقد جعلت قصة أهل الكهف حاملة لطول انتظارها في هذه الومضة وقد ضمنت من القرآن أيضا ومضة أخرى هي - الجسد -حيث تقول ص89

في جيدها

حبل من مسد

.....

أضرم النار أبو لهب

......

في ذلك الجسد

وهنا لا بأس من الإشارة إلى مسألة دقيقة وذات أهمية ألا وهي مسألة وضع النقط وتوزيعها في النص الشعري فإن النقط في هذه الومضة هي حروف أخرى أو كلمات على القارئ أن يفك معانيها .

والشاعرة لم تعتمد على التضمين من النصوص القديمة فحسب وإنما نلاحظ تصمينها أيضا للكلام اليومي بما فيه من بعض الأمثلة الشعبية التونسية كقولها في ومضة -حماقة- ص10

زغردوا

في أذنها

عقدت منديلا

في خنصرها

وهذا ما يؤكد أن الشاعرة في هذه المجموعة قد استقادت من مختلف النصوص قديمِها وحديثهِا فصيحِها وشعبيّها منتهجة البساطة في أبعادها العميقة والسهل الممتنع في دلالته الممتعة والبديعة بل قد وظّفت بعض المقولات لأدباء من مختلف أنحاء العالم وجعلتها افتتاحيات تقدّم بها أجنحة الديوان باِعتيارها فصول الدّيوان

*

لابدّ من كلمة حول الغلاف باِعتياره أحد الأبواب التي تفتح على مضامين الديوان والغلاف لوحة للفنان والشاعر محمد القماطي قائمة على الأبيض والأسود من خلالهما تبدو وملامح امرأة وفي البياض ترفرف أجنحة حمراء فكأن اللوحة قصيدة تلخص ومضات سونيا عبد اللطيف أوليس الرسم هو الشعر أيضا...ولكنه شعر بالأشكال والألوان ...؟

 

سوف عبيد

 

 

في المثقف اليوم