أقلام حرة

الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والعراق

بادية شكاطيقول المفكر محمد إقبال: "إن الإنتماء الهوياتي للإسلام هو مجموعة من القناعات الذهنية التي يسلّم المسلم بصحتها، والإنتماء إلى القومية هو انتماء يجد في الدم مطلقه ومرجعيته الساكنة، بينما وجود الذات وتحققها فهو مكابدة وجودية مستمرة، وحركة استيعابية متواصلة، وجهد لايتحقق إلا من جهة غايته وهو"الله "وكل ماسوى ذلك هو أصنام ينبغي تحطيمها"

فلماذا تقف دومًا الشعوب العربية على عتبات المعاتبات، وتحاول أن توسع ثقوب ماتبقى من جيوب تحفظ أواصر الأخوة، فتُسقط منها في كل مرة مايفقر علاقاتنا؟ لماذا دائمًا نتحول إلى معاول هدم في أيدي أعدائنا، وفؤوس لقطع ماتكره من رؤوس؟ لماذا لم نفهم بعد أن الطائفية هي غرسهم الذي يكفيهم لتسميمنا لسنوات، لماذا لم نفهم بعد أنها بذرة نصرانية غرستها اليهودية في أرض مجوسية؟

لماذا لانبحث عن كلمة الله التي توحدنا، لماذا كل هذه الوثنيات التي نحن عندها دومًا واثنين؟

إن ماحدث بين الجزائر والعراق فوق بساط أخضر، كان يمكن أن يتحول إلى بساط أحمر فقط بسبب التجديف نحو فكر خلاصته:"إن كنت معي فأنت عندي موجود، وإن كنت ضدي فأنا لديك مفقود"

لماذا لانقبل الإختلاف؟ كيف نريد أن نحارب الديكتاتورية بفكر ديكتاتوري يرفض الديمقراطية؟

إن الذي يؤجج فعلا الإختلاف ليس أن أكون أنا سنيًا وأن تكون أنت شيعيًا، إنما الذي يؤسس للفُرقة هي تلك النقطة التي نضعها في منتصف المقال، فنُسكت بها كل جدال، والله قد قال:"وكان الإنسان أكثر شئ جدلا"

فحل للأسف الصراع السني الشيعي محل الصراع العربي الإسرائيلي، في ظل عالم تتنافس فيه أربع أقطاب رئيسية"أمريكا، روسيا، إيران وطبعا إسرائيل" على هدر دمائنا.

فلماذا تجيش المشاعر وتتحول الى عساكر حين نختلف مع أي انتماء طائفي لايعدو أن يكون سياسي؟ ولايمكن ان يرتقي لدين ضد الدين، فهو سابح في لُجج الخرافة، وتغييب العقل والنقل معًا، لماذا نجعل أقدارنا أن نغرس رؤوسنا في رمال الماضي؟ ثم لانكون إلا كمن يرتدي لباسًا في الشتاء ويخلعه في الصيف، فلا تهمه عصارات العقول، بل تهمه إنتصاراته الميكيافيلية الغارقة في الذبول.

وهذا ماكشفه نبيه بري في إحدى تصريحاته منذ أزيد من ربع قرن، في عز الحرب الأهلية اللبنانية، مبيناً أن المتقاتلين باسم الإسلام والمسيحية في لبنان، هُم أبعد الناس عن ارتياد المساجد والكنائس.فالعلماء والغوغاء كلٌّ يشد حبله من جهة تخالف الأخرى، فالأولون أعرف بالحق وأرحم بالخلق، والآخرون أجهل بالحق وأظلم للخلق.

نحن أمة مرجعيتها الوحيدة هي القرآن الكريم، وكما تقول القاعدة الأصولية:"القرآن قطعي الورود ظني الدلالة، والسنة ظنية الورود والدلالة معا"

فهذا القرآن الكريم الذي يجمع المسلمين قد قال:

"إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون" سورة الأنعام الآية 159

"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءًا فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون" سورة آل عمران الآية103

فلماذا هذه الجوقة المجنونة التي ترقص على جراح الأمة؟ ألم يقل عزوجل:"لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" سورة البقرة، الآية 256

فحين نتبين سبل الرشاد نجد أن للفكر أخلاقًا، هي أخلاق الحرية، ونبذ العنصرية، وجميعها من صميم هذا الدين، لهذا فقد إكتمل فيه الإنسان كماله الذي يليق به، بأنه كان في اتجاه الحق :"ذلك بأنّ الله هو الحق وأنّ مايدعون إليه الباطل وأن الله هو العلي الكبير" سورة لقمان الآية30

وقوله تعالى:"قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا" آل عمران الآية 46

فإذا كانت دعوة غير المسلمين وإنكار منكرهم تغتنم فيه مواضع الاتفاق، فذلك في حق المسلمين الذين يجمعك وإياهم الانتساب لدين الحق أولى.

فلنؤمن أن سبيل الحق واحد إنما أبوابه عديدة، ولنعش تحت سماء واحدة كقوس قزح بألوان متعددة.

 

الكاتبة الجزائرية بادية شكاط

في المثقف اليوم