أقلام حرة

الثقة بالوثيقة والرؤوس العتيقة!!

صادق السامرائيتهيمن على الواقع الإعلامي والتواصلي حملة شرسة تتكلم بلغة الوثائق الدامغة كما تدّعي في هجومها على العرب والإسلام والمسلمين، ولها رموزها ومفرداتها وآلياتها التعبيرية التي تبدو مقنعة وصحيحة ونزيهة وحيادية، ولا هدف لها إلا تقديم الحقائق والبراهين والحجج التي تفند إدّعاءات العرب والمسلمين من أولها إلى آخرها، ويقوم بذلك عرب أولاد عرب، يتكلمون اللغة العربية وقد تم ترويضهم وتأهيلهم ليكونوا من أشد أعداء العرب والدين.

ويعتمدون في طروحاتهم، التي تبدأ بأسئلة، على وثائق وكتب متنوعة، ويجتزؤون من التراث العربي ما يحلو لهم لإسناد طروحاتهم.

ويقولون لك أن هذه الوثيقة التي كُتبت في السنة الفلانية تذكر كذا وكذا ولا تذكر كذا وكذا، فهذا يعني أن كذا وكذا موجود وكذا وكذا غير موجود، وإنها إختلاقات وأوهام وتصورت قد كتبها القوي المنتصر لكي يتمكن من الهيمنة على مصير الناس، أي أنها وسائل إستعبادية لا غير.

ويمكنهم أن يمرروا ما يدّعونه على عامة الناس من الذين تصادرت عقولهم أو تعطلت، بسبب التجهيل العارم الذي يوفره للناس أصحاب العمائم المتاجرة بالدين.

وهؤلاء يستغلون الوسوسة العربية بالتأريخ، وكيف أن العرب والمسلمين لا هم لهم إلا التفاعل مع ما مضى وما إنقضى من مسيرتهم السابقة، والتي لا يرونها إلا حاضرة وتتقدمهم.

وكلما تابعتهم وقرأت لهم وإستمعت، أجد الكثير من الخطل فيما يطرحونه، والعديد من الأساليب الخداعية والتضليلية المبنية على قوانين ونظريات نفسية مجربة في تطهير الرؤوس مما فيها، وحشوها بما يريد مُستهدفيها.

ووثائقهم في زمن الفوتوشوب وقدرات التصوير والنسخ والتحوير والتصنيع الفائق لا يمكن الإعتماد عليها، فأين كانت على مر العصور والأزمان وإذا بها بغتة تظهر علينا اليوم؟!!

فالواقع المعاصر الذي نعيشه لا يمكن فيه الوصول إلى إستنتاج رصين إعتمادا على ورقة عتيقة كما تبدو، ذلك أن الصينيين يمكنهم أن يأتوا إليك بما تريد من العتيق والجديد، ولا يمكنك أن تميزه، حتى لو إستعملت تقنيات العمر الكاربوني، فأنهم سيحتالون عليها.

قالت الوثيقة الفلانية التي كتبها فلان قبل الإسلام، وقالت الأخرى التي وجدناها وهي مخطوطة في السنة كذا وكذا، وهذا كله محض هراء قد ينطلي على الناس لكنه لا يصمد أمام آليات التفكير العلمي، ولا يمكنه أن يتوافق مع المنطق السليم، وحتى وإن قدّموه بثوب منطقي جميل مبهرج بتقنيات العصر التي يمكن فيه أن نزيف حتى الجينات البشرية.

فلا ثقة بالوثيقة، وعلينا أن لا نضع في رؤوسنا عقولا عتيقة، ومن الواجب المصيري والمسؤولية الحضارية أن نتخذ منهج التفكير العلمي سبيلا للحياة، ونبتعد عن هذه الطرهات!!

 

د-صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم