أقلام حرة

الفتح الحسيني فتح لايشبهه فتح

تحدث المؤرخون عن شخصيات، اطلقوا عليها لقب (الفاتحين)، ولكن ماذا فعل هؤلاء حتى استحقوا هذا اللقب؟ الفتح في اللغة ضد الغلق، ويستخدم في المجالات المادية والمعنوية، فالمكتشفات العلميّة تسمى فتوحا علمية، والهامات المتصوفة وكشوفاتهم يطلقون عليها فتوحات، حتى ان ابن عربي سمى كتابه (الفتوحات المكيّة) .

المؤرخون لايعنون بالفاتحين، اولئك الذين انجزوا انجازات علميّة، وفتحوا مااستغلق من المشكلات المستعصيّة، واناروا دروب البشرية، بانجازاتهم، وفتوحاتهم العلميّة.

كانوا يقصدون بالفتح، الفتح العسكري، وبالفاتحين، من يفتح بلدا، او يدمّر مدينة، اويقتحم قلعة، اويقهر شعبا، هذا هو الفتح في لغة المؤرخين، واؤلئك هم الفاتحون، امّا من يفتح الله عليه فتوحا في ميدان الطب؛ ليقدم من خلال فتوحاته العلمية علاجا ناجعا لامراض مستعصيّة، او من ينجز فتحا في ميدان الاقتصاد، ليواجه مشكلة الفقر التي تفترس ملايين البشر، او من يقدم فتوحات في حقول التربية والتعليم ليساهم في نهضة الامة وتقدمها ... كل هؤلاء لم يطلق عليهم المؤرخون مصطلح (فاتحين) .

اطلق المؤرخون لفطة (الفاتحين) على الاسكندر، وهتلر وموسوليني، ونابليون، هؤلاء فاتحون ؛ لانهم فتحوا مدنا، واحتلوا بلدانا، وقهروا شعوبا، وصادروا حريات .

الامام الحسين عليه السلام، في وصيته لاخيه محمد بن الحنفيّة، والتي جاء فيها :

(من لحق بنا استشهد، ومن تخلف لم يبلغ الفتح) (بحار الانوار، المجلسي، ج42، ص81). لم يقصد الامام بالفتح الفتح العسكري، لان الامام (ع) لم يستهدف في حركته المباركة فتحا عسكريا، بل اراد الامام الحسين عليه السلام، ان يفتح العقول المغلقة، والقلوب الجاحدة، والضمائر المخدرة، وان يحرّر ارادة الامة من الخوف والقهر والتردد . الامام الحسين انجز فتحه عبر الشهادة، لاعبر الجيوش والاسلحة والمعدات ؛ لان هذه الادوات، ادوات سلطة يستخدمها المغامرون، وطلاب السلطة، لانهم فاتحون دنيويون، مطامحهم سلطوية، وارضية ؛ ولذلك يبحثون في الانصار عن الكم، يريدون ارقاما، وكما من الانصار، لايهمهم الكيف، لانهم يريدون اعدادا هائلة من البشر تحترق من اجل مطامحهم في الوصول الى السلطة .

الامام الحسين عليه السلام، مشروعه ليس مشروع سلطة، بل مشروع هداية، مشروع فتح، ليس فتح بلدان، ولاقهر شعوب، ولااقتحام قلاع وحصون، وانما هو فتح للقلوب والعقول والضمائر، وهذا المشروع يحتاج الى نوعية خاصة من الانصار، الى معايير الكيف في الانصار، وبوابة هذا الفتح الحسيني هي الشهادة، بينما بوابة مشاريع الفاتحين السلطويين هو الوثوب على السلطة .

الفتح الحسيني فتح فريد، لايشبهه فتح، فسلام على صاحب هذا الفتح، الذي بقي فاتحا عبر الزمان للعقول الحائرة، والقلوب المغلقة، والضمائر المخدرة، سلام على صاحب الفتح سيد الشهداء وعلى اهل بيته واصحابه، الذين استجابوا لنداء قائدهم فبلغوا الفتح.

 

زعيم الخيرالله

 

في المثقف اليوم