تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

خارطة طريق

انور الموسويللبلدان المتقدمة سياسية تضمن لها امداً طويلاً من البقاء، وهذه السياسة تعتبر بمثابة خارطة طريق منظمة، وواضحة، ومعدل عليها بين الحين والآخر بما يتناسب والأوضاع الداخلية لهذه البلدان، أو وفقاً لمصلحة تلك البلدان في العلاقات الخارجية وطبيعة إتخاذ القرارات المناسبة.

في معظم دول العالم وخاصةً المتقدمة منها لايجري العمل وفقاً لاجتهادات (حزبية، أو رؤى شخصية) بل هناك هيئات أو مجالس عليا تكون فوق حتى النظام البرلماني، او النظام التنفيذي، تهدف هذه المجالس أو الهيئات العليا، بوضع خارطة طريق طويلة الأمد ومحنكة تضمن من خلالها "هيبة الدولة وعلاقاتها الخارجية وفقاً لمصالحها"، وتؤمن الضمانات الممكنة للشعب من خلال رسم ستراتيجيات واضحة وفعالة، وتقدم الرأي والأطروحات الملائمة للأوضاع الراهنة أو مايستجد من تطورات في حالات الأزمة او التغيرات آلتي تحدث.

تأتي هيئة الرئاسة المنتخبة والبرلمان وبقية التشكيلات الحكومية للسير علىٰ نهج هذه الخارطة وفقاً للدستور والقانون، إذ لاتعاني حين ذلك الحكومة المنتخبة من صعاب أو إحراجات في وضع برنامج حكومي متقدم ومتطور، و تستمر هذه الديمومة في إكمال تلك البرامج عند كل دورة انتخابية جديدة ورئيس جديد.

لدينا في العراق وفقاً للنظام البرلماني الحالي، ونظام تشكيل الحكومة المنتخبة من رئاسة مجلس الوزراء والذي يترأسه رئيس لذلك المجلس ووزراء في الكابينة الحكومية، وجهة تشكل البرلمان الذي يتصف بالدور التشريعي والرقابي.

في كلا تلك الجهتين السيادتين سواءاً ( البرلمان، أو الحكومة التنفيذية)

لاتوجد اي خارطة طريق للعمل، ولا برنامج منظم سواءً لسن القوانين، أو لطبيعة الرقابة، واللجان الأخرى المشكلة داخل قبة البرلمان، ولا يوجد ايضاً ستراتيجية واضحة وثابتة لدى الحكومة، كل حكومة تأتي يقدم رئيس وزرائها برنامجه الحكومي وفقاً لرؤيته أو رؤية مستشاريه أو حزبه، ويقدمه أمام مجلس النواب للقراءة فقط! لا مجلس النواب يطالب رئيس الوزراء ببرنامج تقدم العمل بصىرة دورية، ولا الشعب او على الاقل المختصون يضعون أمامهم "ورقة وقلم" ويسجلون النقاط لذلك البرنامج ويحاسبون عليه وفقاً لما تأخر او تقدم منه!وكأن هذا البرنامج هو عبارة عن حبر علىٰ ورق، الغرض منه الإنشاء فقط! لو فرضنا أن البرنامج الذي تقدمه أي حكومة مشكلة هو ملزم فعلاً وجارٍ العمل به، مجرد انتهاء الولاية التشريعية للحكومة والذهاب لإنتخابات جديدة، وتكليف رئيس مجلس وزراء جديد، سيقدم برنامجاً يكاد يكون مغايراً أو علىٰ الأقل ليس تكميلياً لما فات، أو بصورة أكثر دقة (تأتي كل الجهات الرقابية والتنفيذية بخطة عمل جديدة وفقاً لرؤاها أو اجتهاداتها الدستورية، علىٰ الأقل فهي تأتي (بمحاولات قراءة وتصحيح لوضعٍ راهن وليس لمستقبلٍ بعيد))

 ناهيكَ هنا عن طبيعة الاطر الملزمة للجميع بأن يلتزموا بها وهي أطر الضوابط الحزبية، وتدخلات رؤساء الكتل! هذا الحال يبدأ من اعلى الهرم ويسير بصورةٍ تنازلية علىٰ الوزارات وبقية التشكيلات الحكومية.

أصبح العراق بكل مؤسساته خاضعاً للرؤى أما الحزبية أو الشخصية، بمعية رسم السياسات وممارسة الضغوط من دول الخارج على صناعة القرار! فعن اي اصلاحٍ يتحدث البعض وعن أي تقدمٍ يمكن لنا ان نحرزه؟ وسياسة البلد كلها تخضع للتجاذبات الحزبية، والشخصية، والدولية، والى الآن لا توجد رؤية مستقرة للنهوض بالواقع على "كل المستويات" حتى الوزارات المعنية برسم خطط استراتيجية تخلت عن هذه المهمات في وزارتها أو على الأقل باتت حبراً على ورق!

من الدقة أن اقترح هذا الرأي الذي اظنه لا يتخالف مع الدستور ولا يتعارض معه ولا اظن يوجد تداخل بالصلاحيات او تضارب بين الرأي هذا وبين الدستور لكون كلٌ له رافده الخاص به.

ولفك اشتباك الهيمنة الحزبية، وإعطاء صورة تتسم بالوضوح خلافاً لهذه الضبابية في سياسة الدولة، ولجعل الأمور تنحى منحاً أكثر نظاماً ورؤية مشخصة مسبقاً، ولفصل هذه المزايدات والتكالب على السلطة، وضمان عدم وضع آراء آنية أو شخصية تزول مع زوال المؤسس لها، وايضاً لضمان إمتداد الإصلاح في المؤسسات والسياسة العامة للدولة الخارجية منها والداخلية.

أقترح تشكيل (مجلس لرسم الاستراتيجيات السياسية الوطنية).

هذا المجلس يشكل من نخبة أكاديمية متخصصة مستقلة، تضع خارطة طريق طويلة الأمد وذات أهداف واضحة المعالم، وخارطة طريق سياسية للدولة، تشمل جميع مفاصل واقسام الدولة، ليأتي اي رئيس وزراء ومن أي جهةٍ كانت، يمضي وفقاً لخارطة الطريق هذه المعدة من قبل هؤلاء الخبراء، ويكون ملزماً في تنفيذ ما أمكن من بنودها، وهكذا تمضي السلسلة لهذه الاستراتيجية لكل رئيس يأتي لاحقاً في اكمال ما بدأ به من سبقه، هذا سيحقق المصلحة العليا للبلد، فوق كلٌ الاعتبارات آلتي تتم ويتم التناحر عليها من أجل المناصب، والامتيازات، ومن أهمية " مجلس الاستراتيجيات العليا لرسم السياسة الوطنية" أنه ليس شريك أو حجر عثرة في طريق التوافقات السياسية بين الكتل لاختبار رئاسة الوزراء أو اختيار الكابينة الوزارية، إذ هو لا يتدخل مطلقاً في الاختيارات، هو يكون ملزماً لمن سيأتي بتطبيق الخارطة الوطنية الموضوعة له من قبل ذلك المجلس، كما انه لا يتعارض مع صلاحيات مجلس النواب، بل يكون مجلس النواب الجهة الرقابية الأولى على تطبيق المسار السياسي الموضوع من قبل المجلس، وبهذا تكون اي حكومة مشكلة على وضوح من أمرها في التعاطي مع خارطة الطريق هذه، وتكمل ما انتهى به الآخرون، ونعمل علىٰ تحييد التدخلات الشخصية والخارجية في رسم معطياتنا السياسية، والتحول إلى دولة قوية تمتلك رؤية بعيدة الأمد في تنفيذ برامجها [السياسية والإنمائية، والخارجية، والأمنية....الخ].

 

انور الموسوي

 

في المثقف اليوم