أقلام حرة

الإنصهار الوطني!!

صادق السامرائيكل مجتمع يحوي طاقات وإرادات مطلقة لصناعة الحياة الأفضل، ولا يمكنها أن تصل إلى أهدافها وتطلعاتها، إذا غاب الوعاء الجامع والعقل الرائد.

فالمجتمعات لا تختلف عن بعضها إلا بكيفيات الإستثمار بطاقاتها، وسبك قدراتها وصبها في كينونة وطنية ذات آفاق إنسانية صالحة للحياة في الحاضر والمستقبل.

ولهذا فالمجتمعات بحاجة لقوة جامعة، وهذه القوة تتجسد بالقيادة القادرة على وعي الطاقات وتأهيلها للإنسكاب في بدن الوجود الوطني الأقوى والأقدر، وبدونها ستتبعثر وستتآكل، بل أنها ستختزن قدرات خيباوية سلبية ستتأهل للإنفجار والثبور والتدمير الشامل للزمان والمكان الذي تكون فيه.

ولا يمكن تحقيق التفاعل الإيجابي للطاقات والقدرات في مجتمعات تتشظى بإسم الديمقراطية، التي عفى عليها الزمن بمعانيها التقليدية في الدول الغربية، وكأنها ما عادت تصلح لحياة القرن الحادي والعشرين كما نتوهم، وهذا واضح في المجتمعات العربية التي أكلت طُعم الديمقراطية المستوردة، والمدججة بالعمائم واللحى والاسلحة الفتاكة، والتقنيات التخريبية والتدميرية المروعة، والمؤزرة بالحملات الإعلامية والنفسية والصولات الإنفعالية الفائقة، الكفيلة بتأهيل الناس لإمحاق بعضهم وإلغاء وجودهم.

فالواقع العربي يتطلب قادة أقوياء ألباء يجدّون ويجتهدون في صب الطاقات بأوعية  قادرة على صناعة السبيكة الوطنية الحضارية المعاصرة، التي تجمع وتمنع وتحقق التطلعات الإيجابية الصالحة للحياة الأقوى والأقدر.

وبغياب القيادة القوية فأن التداعيات ستتواصل، والصراعات ستتفاقم، ولن يتمكن من الحياة والنجاة إلا المجتمعات التي بقيت عندها جيوش مقتدرة صالحة لإحكام القبضة السيادية على البلاد، وردع الأحزاب المتورطة بالتبعية والفئوية من تنفس هواء الحرية، ومحاسبة كل مستهتر بحرمات الوطن وحقوق المواطنين، وربما يُصلِح العرب  نظام حكم أبوي الطباع والقرارات يؤهلهم للخروج من هيمنته شيئا فشيئا، كما يربي الأب الطفل حتى يبلغ أشدّه ويتمرس فيكون حرا في خياراته وتعبيراته.

فلن تتحقق ديمقراطية في بلاد بلا سيادة ولا حُرمة ولا قوة ولا قدرة إقتصادية وتصنيعية وزراعية، ولن تكون ديمقراطية في مجتمعات تعجز عن إطعام نفسها، وتعتمد على غيرها في  ما تحتاجه من أسباب حياة.

فهل فكرنا في البُنى التحتية للديمقراطية؟!!

وقد بلغ السيل الزبى، ولا بد من هبّة غيرة ونخوة رجاء وعزة وكرامة وإباء!!

 

د. صادق السامرائي

......................

* الإنصهار: تحول المادة بالحرارة من الحالة الصلبة إلى الحالة السائلة.

 

في المثقف اليوم