أقلام حرة

التراجعية!!

صادق السامرائيالعرب يتراجعون ويعادون التوثب والتقدم للأمام، وهي عاهة قاهرة مستديمة فاعلة فتاكة تعصف بوجودهم المعاصر، وتأخذهم بعيدا عن نهر الحياة، وتلقي بهم أحطابا على ضفافه الهامدة الخرساء.

العرب إذا تقدموا خطوة إلى أمام تقهقروا مئة خطوة للوراء، بل في هذا الزمن صاروا يتقهقرون قرونا إلى الوراء، فكأنهم يعيشون في القرون الوسطى والدنيا في القرن الحادي والعشرين.

قد يرى البعض أن ما تقدم ضرب من الهراء، لكن الواقع العربي يؤكد أكثر من ذلك بكثير، والأمثلة في القرن العشرين دامغة في العديد من دول العرب، من مصر إلى العراق، فمصر إنطلقت في بدايات النصف الثاني من القرن العشرين وأظهرت إنجازات ذات قيمة لكنها تقهقرت إلى الوراء ربما لقرن، وكذلك العراق الذي تقهقر قرونا إلى الوراء بعد أن تقدم وتسامق، وغيرهما من الدول العربية الأخرى، التي تدهورت أحوالها بعد زمن رقاء وعلاء.

وبرغم أن العرب لديهم ثروات تحقق السعادة والرفاه، لكنهم يمكن مقارنتهم بأفقر الدول الأفريقية، فنسبة الفقر والبؤس والبطالة تتعاظم في ديارهم، وكذلك الجهل والضلال والبهتان، حتى وصلوا إلى أحوال أوربا في العصور المظلمة التي تحكمت فيها الكنائس بمصائر البشر.

هذا الخطو المتوجس المكبل بالأغلال يتسبب بجذبة تراجعية شديدة متعاظمة يستثمر فيها أعداء العرب، ويزيدونها قوة وتسارعا وإنحدارا إلى حيث يموت العرب وينقرضون، وقوة الجذب التراجعي تتناسب طرديا مع إستفحال دور العمائم واللحى في حياة الناس، وإمعانهم بتجهيلهم وتضليلهم وإمتهانهم وإستعبادهم وتحويلهم إلى أرقام يتاجرون بها على هواهم.

وهؤلاء يلعبون لعبتهم الآثمة بإسم الدين، الذي لجأت إليه الناس بعد أن فقدت السبل المستقيمة نحو حياة آمنة أمينة، وكأنهم من أهم سواعد أعداء الناس وهم لا يشعرون أو يتجاهلون ويتغافلون وينكرون، لما تدره عليهم هذه اللعبة من منافع مادية ونفسية ومعنوية.

وهذه محنة حضارية تضع على عاتق المفكرين والكتاب والباحثين مسؤولية تحفيز وإيقاظ إرادة الحياة، وتأجيجها في صدور الأجيال وتنميتها لكي تكون قوة ذات تأثير إيجابي ونوعي في مسيرتهم، وتحريرهم من أسر الضلال والبهتان الذي تضخه في رؤوسهم العمائم واللحى المتاجرة بدين.

وعليه فأن من الواجب إقامة السدود الفكرية والمصدات المعرفية وإيقاد المشاعل الثقافية، لأخذ الأجيال إلى طرقات الصيرورة الحضارية الواسعة المطلقة الآماد الخالية من العثرات والإنحرافات، لكي يتجلى جوهرهم وتنبعث قدراتهم وتتحول إلى موجودات حية فاعلة في أيامهم الشماء.

فهيا للخطو إلى الأمام، ومنع التراجع والإنهزام!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم