أقلام حرة

الضحيّة والعدو في السياسة الدولية

يُفترض ان الحديثَ عن السياسة، هو حديث عن واقعيات، وارقام مجسدة على الارض، وعن مصالح واقعيّة بين الدول والشعوب. وقد نسب الى تشرشل قوله: (ليس في السياسة صداقاتٌ دائمةٌ، ولاعداواتٌ دائمةٌ، بل هناك مصالح دائمة). هذه المقولة التشرشلية تعكس واقعية السياسة. والسؤال هو: هل في السياسة اوهام وتخيلات، ام انها واقعيات خالصة من الاوهام؟

هناك مفردتان متداولتان في الادبيات السياسيّة وهما: لعب دور الضحيّة، وصناعة العدو . هل هاتان المفردتان تنتميان الى عالم الواقعيّة السياسيّة ام تنتميان الى خيالات السياسة واوهامها؟ وهل لهاتين المفردتين واقع في السياسة والعلاقات الدوليّة اليوم؟

يبدو لي ان الصهيونيّة العالميّة هي ابرع من اجاد توظيف الظلامات، والمآسي التي تعرض لها اليهود، خصوصا ابّان الحرب العالمية الثانية .

انا لا انفي ماتعرض له اليهود من مآسي وظلامات وتجاوزات، ولكنّ الصهيونيّة وظفتها لتحقيق اهداف سياسيّة، واقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. الرواية الصهيونية فيها مبالغات، وافتراءات، وتزييف للتاريخ .

الفيلسوف الفرنسي (روجيه غارودي)، الفّ كتابا بعنوان: (الاساطيرالمؤسسة لدولة اسرائيل)، اي ان الكيان الصهيوني، اسس على اساطير واوهام . ومن هذه الاساطير التي وظفت لعب دور الضحيّة، وهذا الامر ليس مقتصرا على اسرائيل، وانما هو ممارسة سياسية في السياسة الدوليّة اليوم .

هناك انموذج اخر في السياسة، وظّف الظلامات توظيفا واقعيّا، بلا مبالغات، ولارتوش، ولااكاذيب . وهذا الانموذج هو انموذج المهاتما غاندي الذي حرر بلاده من قبضة الانكليز مستخدما سلاح المظلوميّة . الذي تعلمه من الامام الحسين عليه السلام، كما يقول هو: (تعلمت من الحسين كيف اكون مظلوما فانتصر) .

لعب دور الضحيّة، يستهدف حشد التاييد الدولي والتعاطف؛ لان الناس تتعاطف مع الضحيّة . الناس تتعاطف مع ضحايا الحروب من الاطفال والنساء والكبار، وهناك بعد اخر في لعب دور الضحيّة هو اثبات ان الطرف الاخر لايمتلك اي رصيد اخلاقي .

هناك ضحيّة حقيقيّة ولكنّها لاتقوم بلعب دور الضحيّة كما في قصة هابيل وقابيل التي جاء ذكرها في القران الكريم . هايبل الضحيّة، لايمثّل ولايصرخ، ولايطلب النجدة، بل انه يقدم لنا درسا ايمانيا في التقوى والخوف من الله، فيقول لاخيه القاتل كما حكى ذلك القران الكريم: (لئن بسطت الي يدك لتقتلني ماانا بباسط يدي اليك لاقتلك اني اخاف الله رب العالمين).المائدة: الاية: 28 .

في السياسة المستندة الى لغة الحق والعدل، يجب مناصرة الضحية، وايقاف المعتدي عند حده . يقول الله تعالى: (وان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى امر الله) .الحجرات: الاية:9.

تمثيل دور الضحية، هو تمثيل وليست هذه العملية واقعيّة سياسيّة .

فكرة العدو

مفردة العدو، مفردة قديمة في السياسة الدوليّة، وهي -اليوم- واقع قائم في السياسة الدوليّة . وقد تحدث الفيلسوف السياسي والمنّظر القانوني، كارل سميث، الذي اسس نظريته على اساس التمييز بين العدو والصديق، واعتبر ان العدو هو المحدد الاخص لتحديد ماهو سياسي عن ماهو غير سياسي، يقول كارل سميث:

(ان عالما بدون تمييز بين الصديق والعدو، هو، بالتالي، عالم بلا سياسة) .

وقد شن سميث هجومه على الليبرالية التي تدعو الى الحوار والتسامح واللاعنف، معتبرا ان ذلك محوا للسياسة .

والسياسة العالمية في الحرب الباردة كان الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشرقي هو العدو، وبعد انهياره، لابد من صناعة العدو .

اسرائيل تتحدث انها مستهدفة من محيط عربي يريد خنقها، ويحكم تشديد الخناق عليها، وكل الدول تتحدث عن مؤامؤات واعداء، ان لم يكونوا حقيقين، فلابد من خلق الاعداء الموهومين . وفكرة (صناعة العدو) ليست سياسة واقعية ؛ لاننا نتحدث عن عدو مصنوع، عن صناعة العدو . فالسياسة ليست خالية من الاوهام والخيالات والاساطير .

القران يتحدث عن عدو حقيقي لاموهوم

القران الكريم كتاب واقعي، يتحدث عن عدو حقيقي لاعدو موهوم، ويدعو الى التعايش والتسامح، لا الى خلق اعداء . يقول الله تعالى:

(ترهبون به عدو الله وعدوكم). الانفال: الاية: 60 .

(فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل ياخذه عدو لي) . طه: الاية: 39 .

(فلما اراد ان يبطش بالذي هو عدو لهما) . القصص: الاية: 19 .

 

زعيم الخيرالله

 

في المثقف اليوم