أقلام حرة

البلادة في تعامل السياسي العراقي مع صورته امام ناخبيه

صائب خليلعندما يلتقي المالكي مع البرزاني ويجلسان يتبادلان الضحكات كأنهما صديقان حميمان، او يذهب هادي العامري والحلبوسي ابعد من ذلك، فيذهبان مع جوقة لاستقباله في المطار، فهناك مؤشر على جهل سياسي خطير يصل حد البلادة، بأهمية صورة السياسي امام ناخبيه، في الطبقة السياسية العراقية، إن لم يكن مؤشراً على دوافع اكثر خطورة. فمسعود البرزاني شخص كريه بشكل شديد بين جميع فئات وأحزاب العراقيين العرب (إلا اللهم ربما باستثناء الشيوعيين).

وينطبق الأمر نفسه بالطبع، بل ربما أكثر، على لقاءات وتحالفات أخرى مع خميس الخنجر وخالد العبيدي وغيرهما. في كل هذه المشاهد يبرهن السياسي العراقي بأنه لا يدرك أهمية صورته أمام الناس وخاصة ناخبيه، وأن سلوكه هو الذي يمنحه الثقة عندهم أو يفقدهم اياها، به، وبمشروعه السياسي.

السياسي، يجب ان يفكر، قبل ان يظهر في لقاء أو حتى صورة مع شخص ما، أولاً وقبل كل شيء، بتأثير تلك الصورة على ناخبيه ورأيهم بالشخص الذي سوف يستضيفه ويتصور معه. فإن كان رأيهم به سلبياً، لا مفر من ان تنعكس تلك السلبية عندهم بشكل خيبة أمل به كسياسي وإنسان.

كذلك يجب ان يراجع ما كان قد قاله لهؤلاء الناخبين عن ذلك الشخص، إن كان قد قال عنه شيئا يوماً ما. فإذا تناقض ما قاله سابقاً مع لقائه مع هذا الشخص، فسيعتبره ناخبوه كذاباً لا يستحق الثقة.

مسعود والمالكي والعامري

في ضوء هذه المفاهيم البسيطة، كيف نفهم لقاء المالكي مع مسعود؟ وضحكه معه ومجاملاته؟ وكيف نفهم الاستقبال في المطار والمؤتمر الصحفي الذي عقده هادي العامري معه؟

الجواب يبدأ من صورة البارزاني عند ناخبي المالكي والعامري، والتي هي صورته عند العراقيين غير الكرد عموماً، وهي كما يلي:

هو شخص مبتز طماع وصلف لا يعرف الشبع ولا القناعة.. ثراء فاحش ودكتاتورية وحشية عند اللزوم وارتباط ذليل بأميركا وإسرائيل لا يعلم الا الله حدوده (عدا سرقته للنفط وبيعه لإسرائيل، والتاريخ الوطيد والنفوذ الإسرائيلي الحالي في كردستان). إنه يمثل ابتزاز للعراق يتكرر ويتزايد في كل مناسبة متاحة. وفوق ذلك كله فقد بذل قبل بضعة اشهر، جهوداً جبارة لفصل كردستان عن العراق! وخلال كل فترة ما بعد الاحتلال قام باحتلال أراض واسعة تزيد عن مساحة كردستان ووقع عقود نفط بدون علم الحكومة وسرقها حتى عن أبناء شعبه (الذي كان سعيدا لتصوره انه سيسرق من العرب ليقدم الغنائم النفطية لهم). وهو شخص قبلي عشائري اقطاعي متخلف لا يتورع عن قتل من يصطدم به. طرد السكان العرب من قراهم وقام بهدمها، وأغرى بعض ذوي النفوس الدنيئة من العرب ليستكردوا، مكررا ما فعله صدام حسين مع بعض الكرد الذين اطلق عليهم اسم "الجحوش" المتعاونين، وكان هو واحداً منهم. ومسعود مسؤول أيضاً عن ادخال صدام إلى أربيل والسماح له باعتقال خصومه من الشيوعيين (لكن الشيوعيين تبرعوا بذاكرتهم).

لماذا يعتقد المالكي والعامري أن ناخبيهما سينسيان كل هذا ويقبلان بتصرفهما "الودي" مع البرزاني؟ إن كان دافعهما لمثل هذا اللقاء وتغير الموقف هو المصالح السياسية، فما هي مصالح الناخبين التي تجبرهم على تغيير موقفهم من البارزاني؟ لا شيء!

في الغرب، لا يكتفي الساسة بالحذر الشديد على صورتهم، وتخيل تأثير كل تصرف عليها، بل يقومون بمراجعة الإحصاءات عن صورة ضيفهم عند ناخبيهم، ويذهبون دائما لاستشارة العارفين لسؤالهم عن توقعهم لتأثير أي تصرف كان على صورتهم عند الناخبين وهل هناك إمكانية اقناع ولو نسبة منهم بذلك التصرف، إن كان الناخبون سينظرون اليه بسلبية.. الخ.

إنني افهم اننا لا نملك لا احصائيات ولا خبراء في علم النفس الجماهيري، لكن تحالفاً مع خميس الخنجر أو استقبال مسعود في المطار أو كيل المديح له في مؤتمر صحفي أو المبالغة في اظهار الود له من قبل خصمه اللدود، لا يحتاج إلى أي إحصاء او خبير ليخبرك أنه أمر مكلف جداً لرضا الناخبين واصواتهم، إضافة إلى انه مهين للكرامة.

الفهم الخاطئ لمبدأ "لا أخلاق في السياسة"

أخلاقياً، ومن ناحية اعتزاز المرء بنفسه وكرامته، لا يوجد أي تعويض، فمن يعتز بموقفه الأخلاقي يجب أن لا يفعل ما فعله هؤلاء. وقبل ان ننتقل الى العامل المادي الأكثر أهمية أود ان أقول كلمة في الأخلاق في السياسة. فهناك خطأ شائع ربما مر على هؤلاء الساسة مثلما مر على الكثير من الناس، يقول أن "لا اخلاق في السياسة"! ويبدو لي من مراقبة الوضع السياسي العراقي ان الساسة العراقيين لا يعرفون من مبادئ السياسة إلا هذا المبدأ! لكنهم يفهمونه خطأً أيضاً، فالمبدأ يطلق على المواقف السياسية للدول، تماما مثل المبدأ الآخر القائل: "ليس هناك في السياسة صداقات دائمة او عداوات دائمة، بل مصالح دائمة". هذان المبدآن السيئان في كل الأحوال، يعودان الى السياسة الدولية، لأن الأخلاق مفهوم بشري وليس هناك اخلاق لدولة. كما ان المقصود بـ "المصالح الدائمة" هي مصالح الدولة، والدولة لا تصادق ولا تعادي إنما تبحث عن مصالحها (مصالح شعبها).

لكن السياسيين بشر وليسوا دول! وهم لذلك ليسوا معفيين من الإلتزام بالأخلاق والثبات على المواقف ولو نسبياً. السياسي يرى سوء الفهم هذا عند الشعب، فرصة لمراوغة يفلت بها من الإلتزام، أما بالنسبة للمواطن العادي الذي يرددها بلا فهم، فهي حماقة حقيقية وليست مبدأً سياسياً. لأنه بعمله هذا يعطي ضوءاً آخضر للذين انتخبهم للتحلل من وعودهم وحتى من الأخلاق المتفق عليها بالصدق والأمانة، ويتيح لهم أن يبيعوا مصالحه للأجنبي، او يسرقوها بأنفسهم! فمادام الشعب يعتقد، وراض بأن السياسة (وبالتالي السياسيين) خارج الأخلاق، فلا يحق له حتى ان يغضب منهم! إنه ببساطة يسحب الحق من نفسه بمحاسبة السياسيين!

 فحين يشرح المالكي للعراقيين سبب كراهيته للبرزاني ويقدم الأدلة على خيانته للوطن وخطورته عليه وسرقته لأموال العرب والكرد وابتزاز الحكومات والعلاقة مع إسرائيل، فإنه يثير، عن حق، الغضب من ذلك الشخص لأنه يرتكب تلك الخطايا، التي يصيب احتقارها كل من يرتبط بذلك الشخص، وسيحترمون مرشحهم الذي تعارك معه لحرصه على البلد، ويكون هذا الموقف جزء من رصيد ذلك المرشح عندهم. لكن حين يأتي المالكي ويعامل من قام بنفسه بالتشهير به، فإنه يضع نفسه في نفس موقف الإدانة التي سبق له ان وضعه فيها!

والأمر ينطبق على البرزاني ايضاً، فهو أيضا قد صور المالكي كأكبر عدو للشعب الكردي، ويجب عليهم أخلاقياً ان يكرهوه ويتجنبوه أو يعملوا ضده. وقد اشتغلت الأقلام المأجورة للطرفين لتأجيج مشاعر كل شعب ضد السياسي المقابل. وحين يعود مرشحك ليقابل هذا الشخص المجرم الوضيع الـ... ويتضاحك معه، تشعر ان كل كراهيتك لذاك، كانت خدعة خسيسة!

فلماذا تسامح مرشحك أو غيره على لا اخلاقيته في التعامل مع مصالحك، وتتبرع بإعفائه عن مسؤوليته باعتبار ان "لا اخلاق في السياسة"؟ وإلى اين يؤدي بنا هذا المبدأ ان نظرنا اليه كشيء مقبول ومسلم به؟ إنه فهم خاطئ للمبدأ، وتطبيع للفساد واعتباره جزء من "طبيعة" السياسة، وليس خللاً شخصياً في السياسي.

الرفض الأخلاقي للخطايا السياسية صحيح، مثلما هو صحيح مع أية خطايا أخرى، وعلى الناس ان تفهم جيدا ان السياسي ليس فوق الاخلاق او خارجها. كذلك يفترض بالسياسي ان يكون انساناً، وبالتالي أن يحسب الكلفة الأخلاقية لعمله، حتى لو اعفاه جهل الناس منها.

حتى إن لم تكن خسائر الأخلاق والكرامة ضمن حسابات السياسيين، يبقى التساؤل عما يأمله هؤلاء من مكاسب شخصية وسياسية مقابل "تضحيتهم" بأصوات ناخبيهم الذين خاب أملهم فيهم. ولو كنا في فترة تكوين حكومة، وكان الصراع مشتداً على تكوين الكتلة الأكبر عدداً، كما يحدث في مواسم ابتزاز كردستان للعرب كل مرة، لفهمنا مدى الإغراء بهذا الموقف، لكن المسألة انتهت بخطوطها العريضة.

فما هو المكسب مقابل هذه الخسارة إذن؟ ولنتذكر أن الخسارة ليست فقط لشخص السياسي من أصوات، إنما ايضاً لفقدان حركته ورسالته السياسية لزخم تحتاجه، إن كان يحترم تلك الرسالة ويرى قيمة لها. أنا لا اعرف شيئا يمكن ان يصل إلى هذه القيمة، ولذلك فإني لا أرى هذا التصرف، إضافة إلى لا اخلاقيته، إلا خطأً قاتلاً وانتحار سياسي! إنها بلادة بكل ما في الكلمة من معنى!

لماذا يحدث هذا؟

في تصوري ان أي من المذكورين أعلاه، لم يحاول حتى ان يتخيل وقع فعلته على ناخبيه، وربما لم يخطر بباله أن يفعل ذلك. السبب هو قلة الوعي السياسي، خاصة أن الغالبية من الناخبين لم تربي مرشحيها على احترامها وان يحسب حسابها. فهي أما مقسمة على الطاعة والانتخاب بلا سؤال، مثل الصدريين ومعظم اتباع الحزبين الكرديين الكبيرين، أو تكتفي بالتعبير عن الغضب على الفيسبوك وتنسى.

السياسي غير الواعي، لا يسهل عليه ان يفصل بين ما هو شخصي وبين ما هو سياسي. فأتخيل ان كل ما مر بتفكير هادي العامري وهو يستقبل أي من سيئي السمعة الذين استقبلهم، هو انه شعر "أنه غير راض عنهم".. ثم سأل نفسه: "هل اسامحهم"؟ ثم قرر بنفسه او بضغط ما يسمى "بوس اللحى" أن يتنازل عن “زعله” ومقابلة الشخص المعني. وهذا من حقه شخصياً، لكنه كسياسي، تنازل بدون وجه حق، عن غضب وآلام ملايين من ناخبي كتلته، دون أن يدرك ذلك أو يفكر به! ودون ان يتساءل طبعاً إن كان هؤلاء الملايين يقبلون مثله التنازل عن حقهم، أم سيبقون مخلصين لموقفهم، ويتنازلون عنه هو!

تحدثنا عن المالكي وهادي العامري ومسعود، وهناك آخرين، مثل محمد الحلبوسي. هذا ليس شخص غبي جداً، وربما حسبها فوجد أن إبقاء باب تهريب الفساد "كردستان" مفتوحاً له، مكسب يستحق التضحية، خاصة انه ليس لديه ناخبين حقيقيين ينتظرون مواقف، بل عشيرة كانت تذبح الذبائح لفوز ابنها بمنصبه، متصورة أن ذلك سيشرفها، بينما المؤشرات تؤكد ان احتمال جلبه العار لها هو الأكبر.

ماذا عن مقتدى الصدر؟

هو أيضاً استقبل مسعود البرزاني، فما هي الخسائر الأخلاقية والمادية (الأصوات) بالنسبة له؟ ما يميز الصدر هو جمهوره المطيع، لكن الخسائر الأخلاقية لا تتعلق بالجمهور، ولذلك تنطبق على الجميع بلا استثناء، والصدر مطالب بها مثل غيره، إن لم يكن اكثر. فموقفه من جمهوره ومن سمعته كممثل لعائلته عند الناس ومسحة الدين في الأمر كلها تزيد من مسؤولية الصدر وضرورة انتباهه إلى الجانب الأخلاقي من مواقفه، لا ان تعفيه منه.

أما حساب خسائر الصدر من الأصوات نتيجة ترحيبه بكل من هب ودب، فله خصوصية مهمة. فمن المعروف ان جمهور الصدر، هو الجمهور الأكثر طاعة من جميع العراقيين على الإطلاق. إنه بشكل عام جمهور بسيط مؤمن بعشق حاسم لقائدهم مقتدى، والانطباع أن غالبية الصدريين لا يراجعون مواقفه، دع عنك معارضته ومحاسبته. لذلك يشعر مقتدى الصدر بحرية شبه تامة باتخاذ القرارات، حتى اشدها سوءاً، دون ان يخشى خسارة الأصوات.

صحيح ان الجمهور الصدري هو الأكثر طاعة، ويفتخر بذلك، لكن ليس صحيحاً ان هذا الجمهور لا يحس بالخطأ عندما يرتكبه قائدهم، حتى إن لم يقولوا شيئا عنه، كما لمست من خلال سلسلة مقالاتي (التي لم تنته بعد) عن الحوار مع الصدريين، وسأعود لأبين هذا الموضوع في الحلقة القادمة من السلسلة.

الصدر يخسر أيضا بعض شعبيته لدى ناخبيه من استقبال أو زيارة الشخصيات المرفوضة، وإن كان بدرجة أقل من غيره. وما لم يكن هناك مكاسب محددة وقوية لتعويض الخسارة، ليس لنا إلا ان نحكم على تلك المواقف كما حكمنا على غيره بنقص الوعي السياسي، مثلما هي علامة استفهام على موقفه الأخلاقي، كغيره أيضاً، وإن كان الأمر أخف مما هو لدى المالكي.

البلادة السياسية للعامري وانتشار الوباء

ما دفعني لكتابة هذا المقال لم يكن بشاشة المالكي، فهو متملق كذاب معروف، ولا صورة مقتدى الصدر، فهو يقابل من يشاء بضمنهم اوسخ الإعلاميين، بلا حساب لموقف أو لإحراج اتباعه، ولا الحلبوسي المتسلق. ما دفعني للكتابة هو تصرف العامري مع مسعود، بعد استقباله للخنجر، وموقفه بتقديم اعتذار غريب لأفسد هيئة في اشد فضائحها – المفوضية المستقلة العليا للانتخابات!

السبب في الحقيقة هو اننا كعراقيين، رغم معرفتنا بسذاجة العامري التي يشتهر بها، كان هناك امل أن يكون هذا المقاتل فرصة للخروج من هذا الجب من الفاسدين، فإذا به ينساق معهم ببلاهة تامة.

من لا يفكر بصورته امام الناس ويقبل المرشحين سيئي السمعة في قائمته قبل الانتخابات بلا مبرر، أبله! ومن يستقبل الخنجر، ابله! ومن لا يتردد ويدرس فضيحة المفوضية العليا والأدلة متوفرة امامه في كل مكان، ويظهر مع رئيسها في مؤتمر ويعتذر له... ابله! ومن يستقبل مسعود في المطار ويرحب به في مؤتمر أمام الناس، ابله! والمقاتل الذي وضع حياته على راحة يده، وعرف اميركا كعدو لدود شرس، ثم يقبل بترشيح ممثلها عادل عبد المهدي، ولا يدرك الخطر الهائل الناشئ عن ذلك على بلده وعلى حشده وعليه شخصياً...أبله! من لا يقرأ ما كتب عن قانون شركة النفط الوطنية ولا يستشير احداً، ليفهم ما يريد عبد المهدي ان ينفذه... ابله! ومن لا يجد ضيراً من صورته وهو يقف في استقبال مسعود الذي يراه شعبه عدواً وضيعاً، ويعلم عنه انه ذيل إسرائيلي يصدر لها نفط العراق الذي يسرقه...  أبله، ومن يتصور أن مسعود سيتغير ان هو جامله في مؤتمر صحفي وتحدث عن "وحدة العراق" و "حل المشاكل بين أربيل وبغداد" وغيرها من الكلام الفارغ الذي يضحك منه ضيفه في سره، وينتظر فرصته التالية للانفصال ولربط العراق بإسرائيل.. ابله وأحمق!

هذا ينطبق على كل من استقبل ورحب بمسعود البارزاني، خاصة من يدعي أنه ضد اميركا وضد إسرائيل ومع العدل للعرب الذين تم تهجيرهم وهدم قراهم، وأهل سنجار الذين سلمهم مسعود لداعش.

هذه السهولة في تجاوز الأخلاق وتجاوز الصدق في الموقف والترحيب بمن ارتكب الجرائم بحق الشعب، مرض منتشر إلى حد الوباء بين ساسة العراق ومقبولة بين مواطنيه!

الإعلام العراقي المعادي للشعب العراقي يشارك تطبيع السفالة، وقلما ينقلها كعمل مشين، فهو مشارك أساسي في نشر هذا الوباء.

إنها مذلة تم تطبيعها حتى صارت شائعة. إنها إهانة للشعب وآلامه، وتشجيع لهؤلاء المجرمين على الإيغال في هذا الشعب. هي مشاركة المجرم ذنبه الماضي وذنبه القادم. من يستقبل إعلامياً أو سياسياً فاسداً او مجرماً، و "يسامحه" و يرحب به وكأنه لم يفعل شيئا، يرتكب خطيئتين، الأولى أخلاقية تتمثل بإشاعة الرذيلة، حين "يطبع" الإجرام بحق الشعب، والثانية حماقة بحق نفسه ورسالته السياسية، حين يخسر احترام ناخبيه وزخم رسالته، بلا مبرر، أو حين يعود ناخبيه على الخنوع والقبول بمن اثخن في آلامهم.

لا اخلاق في السياسة تعني لا برنامج في السياسة

وفوق ذلك فمن يستقبل من يشاء بلا حساب، يبرهن انه كذاب في كل ما ادعاه من وجود برنامج له يختار توافقاته على أساسه! فكيف لمن يدعي محاربة الفساد والطائفية او ضمان وحدة العراق والحياة الكريمة لشعبه، أو إخراج عساكر المحتل أو توزيع الثروة الوطنية بالعدل، أن يتوافق مع عادل عبد المهدي التابع الأمريكي المعلن مشاريعه لخصخصة كل شيء، أو مع مسعود أو خميس الخنجر، وكل منهم تناقض صريح لا تراجع عنه، لكل ما هو وطني وخير للبلاد؟

ولا ننسى أخيراً أن الشعب العراقي نفسه يسهم في إهانة نفسه، حين يقبل ويعتاد من قياداته هذه المواقف المشينة التي تتم على حسابه دائماً، ويبررها بنفسه بشعار يسيء فهمه مثل "لا أخلاق في السياسة"، ويتنازل عن حقه في أن يحدد الساسة مواقفهم وتوافقاتهم وعلاقاتهم، وفق ما تتطلب برامجهم التي انتخبوا على أساسها. إن تصحيح هذا الخلل الخطير لا يكون إلا بأن يرفض الشعب هذا الحال النشاز، ويلقن من يتجاوز مشاعره درساً يجعله عبرة لمن اعتبر، ويوقف هذه السيرة القبيحة التي صارت مميزة للسياسة العراقية.

لنرسل هذه المقالة لمن يمكننا ان نصله من الساسة والقادة، لعلهم يفكرون مرتين في المستقبل قبل إحراجكم بصورهم وتعاونهم مع السفلة، ولعلنا نوقف مد هذه الظاهرة المخجلة والخطيرة.

 

صائب خليل

 

 

في المثقف اليوم