أقلام حرة

البحث عن وظيفة.. أفكار وخبرات

محمد العباسيالكل من حولنا يبحث عن وظيفة.. وجل أهدافهم هو الحصول على مدخول ثابت للمعيشة.. لإقتناء سيارة.. ربما للتخطيط لمستقبل عائلي.. للقدرة على السفر والترحال في أرض الله الواسعة.. للعيش في هناء وبحبوحة.. للإستقرار.. للشعور بأدميتهم ولإستقلالهم بعد عمر من الإرتباط والإعتماد على ذويهم.. ولعل هذه الأسباب وغيرها هي أهداف مشروعة للحصول على وظيفة ما، بغض النظر أحياناً لنوعية هذه الوظيفة.. وهنالك الكثير من العاطلين عن العمل يبحثون عن مصادر للرزق بالحلال.. بل والكثير من الخريجين الجامعيين ممن تمر عليهم عدة سنوات من الصبر والبحث وتعبئة الإستمارات واللجوء لوزارة العمل تارة وديوان الخدمة المدنية وكافة المؤسسات والشركات تارات أخرى، لعل الحظ يكون في جانبهم.

و يبقى السؤال: أية وظيفة تأملون؟ ويكون الجواب العام والمتكرر: أية وظيفة !! بينما المنطق يستدعى أن لكل شخص طموح وقدرات وتوجهات عامة، لذا من المفروض أن يتوجه للبحث عن المجالات التي يراها تناسب قدراته والتي يمكنه من خلالها أن يفيد ويستفيد. غير أن أغلب شباب اليوم ممن أجالسهم تنحصر أحاديثهم في الشكوى والتذمر!! وفي أحيان كثيرة يتفاخرون بالتهرب من العمل بكل الأعذار الممكنة.. إجازات مرضية (كاذبة) يدفعون أثمانها لدى العيادات الخاصة.. يتعذرون ببعض حالات الوفاة لأقرباء لهم وهم لا يبالون بالقيام بواجبات العزاء المفترضة.. بل وكثيراً تكون الأهداف من هذه الإجازات بغرض دمج العطلات الرسمية وإطالة أمدها للسفر مع الأصدقاء.. وتتعدد الأسباب وتتنوع الأعذار هروباً وتهرباً، وكأنما التواجد في أماكن العمل "عذاب" و"عقاب".. كما السجناء الذين يتوقون للحرية!

أنا شخصياً أعارض كثرة الإجازات الرسمية وتلك الإضافية التي يتم إحتسابها للتعويض عن وقوع بعضها في الإجازات الأسبوعية مثلاً.. فكلها مضيعة لوقت العمل ومضيعة لطلبة المدارس.. وأظننا في الوطن العربي أكثر خلق الله مضيعة للوقت دون الحاجة لكل هذا الكم من الإجازات.. وقد بات من النادر أن نسمع من شباب اليوم أنهم يتوقون للتواجد في أماكن العمل ويفتخرون بالعطاء والجدية والتطوير.. حتى باتت الوظائف حقوقاً مكتسبة من دون إنتاج يوازي الرواتب المستحقة.. والأدهى أن يتعذر البعض ويرددون مقولة "نشتغل على قد المعاش".. أي يعترفون بتقصيرهم في العطاء لأنهم غير راضين عن المردود المالي.. وفي الغالب هم نفس الأشخاص الذين يطالبون بالترقيات بالأقدمية وليس بكم الجدية والعطاء.. وهذا خلل في أنظمتنا، حيث تتم الترقيات بحساب السنوات وليس بتقييم الكفاءات.. بل وحتى مسألة الكفاءات لها عندنا مفهوم خاطئ، حيث يتم النظر إلى الشهادات مثلاً كمقياس للكفاءة، وكلنا نعلم أن الكثير من الدرجات العلمية لا تعكس بالضرورة نسبة الكفاءة الوظيفية.

أنظمة الخدمة المدنية مثلاً قد تحتسب أجراً ودرجة أعلى لحامل الماجستير مقارنة بحامل البكالويوس، ثم توظفهما في ذات الوظيفة، أي يقوم الإثنان بذات الوظيفة.. في هكذا وضع لا يبدو أننا نستفيد من علم صاحب الدرجة الأعلى، بل نحبطه بالعمل في وظيفة يمكن لمن هم أقل علماً القيام بها بذات الكفاءة.. وكأننا نضيع على مكان العمل فرصة الإستفادة من علم الموظف رغم أنه يتقاضى أجراً أعلى من غيره! هذه مضيعة للكوادر والعقول.. وإستهزاء بالكوادر المتعلمة.. بل مضيعة للقدرات التي قد يكون الفرد دفع في سبيل تنميتها سنوات مكلفة من العمر في التحصيل العلمي (الجاد) من أجل عطاء أفضل جودة في الحياة العملية.

الكثير من الدول العربية توظف أكبر عدد من مواطنيها في وظائف "حكومية" فوق حاجة تلك الأماكن، بهدف إعانة الشباب على الحياة.. وهذا أمر يبدو في ظاهره "حُسن نية" وإعانة وكرم من الدولة.. غير أننا نعلم من الخبرة والواقع أن العدد الفائض من العمالة لا يؤدي بالضرورة لرقي العطاء وتحسين جودة الأداء الوظيفي وسرعة إنجاز المعاملات.. بل في أغلب الأحيان تتعطل المعاملات بسبب كثرة الموظفين وتنتقل كل معاملة من يد إلى يد، وتتكدس المعاملات عند هذا وذاك.. وتكون النتيجة وخيمة ومكلفة.. وهذا ما يتعارف عليه الناس بمسمى "البطالة المقنّعة".. صحيح أن الدول تنجح بالتبجح أنها خفضت نسبة البطالة إحصائياً، لكنها تدفع أثماناً باهظة في حين لا تجني من وراء هؤلاء إنتاجية توازي التكاليف.. بعض الدول تلزم نفسها بتوظيف مواطنيها بكل عيوبهم وقصورهم وعدم كفائتهم، ثم تأتي بعدد من الموظفين الأجانب (مثلاً) لتغطية واجباتهم بالنيابة عنهم حتى لا تتفاقم المشكلات وتتعطل المصالح.

حتى أنني إقتنعت بفكرة الكاتب "جعفر عباس" في زاويته الساخرة في "أخبار الخليج" قبل سنوات حين إقترح على الحكومات العربية الراغبة في توظيف شبابها من أجل التوظيف، أن تقوم هذه الدول بعمل نظام يتلخص في إعطاء نصف الموظفين (المتكدسين) إجازات مدفوعة الأجر لنصف سنة، ليعودوا بعدها ويخرج النصف الآخر في إجازة!! أقتنعت بفكرته العبقرية، حيث أنها توفر الكثير من المصاريف المهدورة بسبب كثرة الموظفين وقلة الإنتاجية.. وكانت فكرته تتلخص في توفير عدد المكاتب ومواقف السيارات وإستهلاك الكهرباء بسبب المكيفات والإضاءة وإستخدام الهواتف العمومية في الأمور الشخصية.. بل وأنها عملية ناجعة في تخفيف الزحام في الطرقات كل صباح ومساء.. إلى آخر مقترحاته العجيبة. فهم يتقاضون أجورهم على أية حال، فلا داعي لهذه البطالة المقنعة أن تكلفنا المزيد دون حاجة.. ربما كانت مقالته هذه هي التي دفعتني لمتابعة مقالاته من حينها، وأصبحت من المعجبين بـ "أبوالجعافر" حتى يومنا هذا.. ربما كانت المقالة من باب السخرية، غير أنها بحق لمست الواقع المرير الذي نعيشه في العالم العربي بشكل عام.

أصبح البحث عن وظيفة مناسبة اليوم كالبحث عن إبرة في كومة من القش.. فليست كل الوظائف المتاحة مناسبة لكل الكفاءات الباحثة عن وظائف جادة مفيدة.. قد يضطر الفرد أحياناً بقبول ما هو متاح قبل اليأس من إيجاد ما هو مناسب.. وأحياناً كثيرة لا يمكن إلقاء اللوم على الباحث عن وظيفة.. فالفرص قد أصبحت شحيحة وأماكن العمل مكدسة بالباطلين المقنعين، وخريجو الجامعات يعانون الأمرّين، وسنوات الشباب والطاقات المفعمة تضيع، والكل يريد نصيبه من الحياة ليبدأ الحياة. أصبحت حياة اليوم غالية لا يقدر على مواجهتها إلا المحظوظين القلائل.. أغلب شباب اليوم لا يزالون في كنف آبائهم ويسكنون غرفاً مع إخوتهم في منزل الأسرة دون إستقلالية أو حرية.. كل أحلامهم معطلة.. ومعها تتأخر الزيجات وتتعقد أمور الحياة.. فكيف للشباب أن يوفروا تكاليف ومصاريف الحياة الزوجية والمسكن والأبناء دون وظائف مناسبة توفر لهم مداخيل مادية جيدة؟ وهنا يجب أن أعترف بأنني أحياناً أقدّر لتلك الدول التي تعين أكبر قدر ممكن من مواطنيها من باب الإعانة ومن منطلق التعاون، رغم كل السلبيات الناتجة عن ذلك ورغم الهدر العظيم من مدخرات الوطن!

عملية البحث عن وظيفة تتطلب جهداً وإصراراً وحنكة.. وأختم هنا ببعض النصائح التي وجدتها على موقع (Linkedin) بقلم متخصص في هذا المجال يدعى "محمد ياسر"، لعلها تعين وترشد الباحثين عن عمل في اختيار الطريقة الأنسب لهم ولمعرفة أكثرها فعالية. فعلى الباحث أن يفهم قبل كل شيء أن هناك مجموعة من التحديات سيواجهها عند قيامه بالبحث عن الوظيفة المناسبة مثل: أولاً، كثرة عدد المتقدمين على الوظائف المعلن عنها مما يصعب مهمة الظهور فى وسط هذا الزحام.. ثانياً، قوة المنافسة، لأن هناك العديد من المنافسين ممن قد يكونون أفضل منه فى الخبرة والمؤهلات.. ثالثاً، قلة الفرص المتاحة وأن يعلم أنه يوجد 80 بالمائة من الفرص التي لا يتم الإعلان عنها.. لذلك يجب ان يفكر فى الطريقة المناسبة للحصول على وظيفة أحلامه فى ظل هذه التحديات مجتمعة.

لقد قام الأخ "محمد ياسر" بعرض وترتيب بعض الطرق الشائعة في البحث عن وظيفة من الأسوأ للأفضل والأكثر فعالية حيث يمكن للفرد أن يحدد عن طريقها الطريقة الأنسب له والأكثر فعالية للحصول على وظيفة في مجاله وتخصصه.

ربما تكون وسيلة إرسال السيرة الذاتية عبر "الإيميل" من أسوأ الطرق في البحث عن وظيفة وأقلها فعالية، فهي كالبحث عن وظيفة مثل مندوب المبيعات عبر إرسال سيرة ذاتية عامة لأية شركة من الشركات للحصول على وظيفة، حيث لن يقوم أحد بالتوظيف إلا إذا كان لديهم وظيفة شاغرة فعلياً ويبحثون حينها عن شخص بنفس المؤهلات، وهذه الطريقة ستجعل من المتقدم مجرد شخص عادي من ضمن مئات المتقدمين.

أما القيام بزيارة لموقع العمل وتقديم السيرة الذاتية شخصياً، فلن تنجح ما لم تكن الشركة تبحث سلفاً عن شخص في مثل مؤهلات المتقدم، لذا فستكون الزيارة غير مجدية، وإذا حالفه الحظ لمقابلة أحد مسئولي الموارد البشرية سيقول له: "سنحتفظ بسيرتك الذاتية وسنقوم بالتواصل معك مستقبلاً".. وهنالك العديد من الباحثين عن وظائف يستخدمون هذه الطريقة للبحث عن وظيفة ولكنها أقل فعالية من غيرها وستكلف الكثير من الوقت والجهد. ويمكن للباحث أن يتصفح إعلانات الجرائد رغم أن معظم الشركات لا تلجأ لهذه الطريقة للإعلان عن وظائفها نظراً لتكلفتها العالية وقلة فعاليتها ويمكن استخدامها عادة لتعيين عدد كبير من الناس في وظائف عادية كالوظائف الفنية والعمالة اليدوية.

و يمكن للباحث أن يزور معارض التوظيف رغم أن معظم معارض التوظيف تُستخدم أكثر لأغراض الدعاية للشركات المشاركة أكثر من البحث عن متقدمين للوظائف.. لكن بزيارة أحد معارض التوظيف يمكن للفرد أن يرى استعراض بعض الشركات لما تقدمه من منتجات أو هدايا فاخرة وسيجد أن معظم الوظائف المتاحة هي لخدمة العملاء أو المبيعات.. والاستفادة الأكبر من المشاركة في مثل هذه المعارض هي بدافع إنشاء علاقات بمسئولي التوظيف في تلك الشركات والتحدث معهم عن مؤهلاته الشخصية وعن المؤهلات التي يبحثون عنها في المتقدمين للوظائف المحتملة.

ربما تكون عملية تصفح مواقع التوظيف والتواصل الاجتماعي للبحث عن وظيفة هي من أكثر الطرق الشائعة في البحث عن وظيفة.. فهناك مئات من مواقع التوظيف أو الصفحات الخاصة بنشر الوظائف في مختلف المجالات وما على الباحث إلا تصفح هذه المواقع أو الصفحات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عن الوظيفة الأنسب.. حيث يمكن إيجاد عروض وظائف كثيرة باستخدام هذه الطريقة ولكن سيظل هناك عقبة المنافسة مع عدد كبير من المتقدمين لنفس الوظيفة ومنهم من يملكون الخبرة والمؤهلات المطلوبة.

و حيث أن حوالي 80 بالمائة من الفرص والوظائف لا يُعلن عنها، لذا قد تكون عملية إنشاء شبكة علاقات قوية من أفضل الطرق للحصول على فرص أفضل للعمل.. فإذا كانت لدى الفرد علاقات قوية تعرفه جيداً وتعرف اهتماماته ومؤهلاته سيقوم هؤلاء الأشخاص بترشيحه للعديد من الفرص في مجاله التي لم يكن ليعلم عنها بمفرده.. وربما يكون موقع Linkedin من أحد أهم المواقع في إنشاء علاقات قوية مع من يماثلونه في نفس المجال والتواصل معهم بشكل مستمر وإنشاء ملف قوى يعرض مميزاته ويقوم بجذب الفرص له. وربما تكون هذه الطريقة من أنجع الوسائل وهو بناء سمعة شخصية وترويج الفرد لنفسه.. وتعتبر هذه الطريقة من أفضل الطرق التي تمكنه من الحصول على الفرص التي يتمناها في مجاله ويقوم بجذب الشركات إليه.. فإذا قام الباحث بتحديد نقاط قوته ومميزاته في مجاله وكيف سيستخدمها لتقديم قيمة مختلفة للشركات أو العملاء، وقام بالترويج لنفسه ونجح في تقديم هذه القيمة بشكل مختلف عن منافسيه في نفس المجال، فسوف يقوم بأنشاء سمعة قوية في وسط شبكة علاقاته وسيقوم بجذب الشركات والفرص إليه بسهولة.

 

د. محمد العباسي - أكاديمي بحريني

 

 

في المثقف اليوم