أقلام حرة

العقل السليم في النُطق السليم!!

صادق السامرائيكتبت في هذا الموضوع مرارا، وركزت على قادة الأمة وخطبائها وإعلاميّها، لأن المجتمع بهم يقتدي ومنهم يتعلم، وعندما لاينطقون العربية بلسان فصيح ونحوية متقنة، فأن ذلك يجعل آذان المستمعين تتعود على النطق المختل والرطانة والإضطراب، ولا تحسبه إنحرافا أو إعوجاجا أو إعتداءَ على اللغة والهوية والذات الناطقة بتلك اللغة.

والكل يعرف مقولة "العقل السليم في الجسم السليم"، وهي قد تكون صائبة بعض الشيئ لكن حقيقة وجوهر سلامة العقل تتأكد بالنطق السليم للغة، لأنها أداة التفكير ومادته وبها تتكاثف الأفكار وتوضع بصيغ تعبيرية تمثلها، وتساهم في ترويجها وترجمتها إلى سلوكيات أخلاقية ومادية ذات قيمة مؤثرة في الحياة.

وقد عدت إلى موضوع النطق السليم بلغة الضاد وأنا أستمع لفتاة مغربية دون العاشرة من عمرها، وإسمها "مريم إمجون"، وهي تتكلم بلسان عربي فصيح مبين، وتبدو وكأنها نابغة لغوية وتمتلك قدرة تربية أجيال وطاقة بناء لسان عربي قويم.

فتاة تشعرنا بالفخر والعزة والثقة بأن للعربية أجيال تحميها وتغار عليها، وتحييها وترفدها بمقومات التجدد والمعاصرة والإنطلاق المعرفي والعلمي الكامل، وهي المؤهلة لخوض ميادبن الإبدع والإبتكار الإنساني في جميع الحقب والعصور.

فتاة تقول أن اللغة "مستشفى العقل"، وهذا تعبير خارق ومركز وصائب وفتان، فاللغة السليمة تداوي العقول وتشافيها من العديد من الأمراض، ذلك أن توفر المفردات اللغوية وعافيتها وصلاحيتها، تؤهل العقل للتعبير الصحيح عن الأفكار والتفاعل الموضوعي والمنطقي الخلاق، القادر المقتدر المتحكم بمنطلقات السلوك والإستجابات.

فكلما توفرت للعقل لغة تامة إتصف بالتمام والسداد، وإنكمشت التأثيرات العاطفية والإنفعالية التي تذله وتعتقله في صناديق الويلات والتداعيات، ولهذا تجد المجتمعات المتقدمة تثري عقول الناس فيها بالمفردات، والتي تتطلب كل مرحلة عدد منها، منذ رياض الأطفال وحتى المراحل الجامعية، فلكل مرحلة كمٌّ من المفردات التي يجب أن يتعلمها الإنسان قبل الإنتقال لمرحة أعلى ، فهكذا تُبنى العقول وتتوفر المواد اللازمة للإبتكار والإبداع الأصيل.

ولو قارنا مجتمعاتنا بمراحل تكونها لأدركنا أن الإنسان فيها كان يمتلك مخزونا لغويا في الأجيال السابقة أكثر مما تمتلكه الأجيال اللاحقة، وقدرته على النطق السليم بلغة الضاد أتقن وأضبط مما هي عليه الآن.

 ولهذا فأن الأمة بحاجة إلى الإنتباه لهذا التحدي الحضاري الكبير، وتدرك بأن سلامة نطق اللغة، وغزارة مفرداتها في العقل العربي من أهم العوامل التي ستساعد على الإنتقال بالأمة إلى مصاف المجتمعات المعاصرة.

وعليه فلا بد من ثورة لغوية عربية شاملة، وتبدأ بالقادة والمسؤولين والخطباء والوجهاء والإعلاميّن والكتاب والصحفين.

فاحترموا لغتكم يا عرب، "فكم عزت أمم بعز لغاتِ"!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم