أقلام حرة

الأفلام.. ملاحظات مثيرة!

محمد العباسيلقد عملت كمترجم للأفلام والبرامج الوثائقية لسنوات لدي تلفزيون البحرين.. وكنتيجة حتمية للتدقيق المركز للأحداث والحوار وقراءة ما بين السطور من أجل جودة الترجمة وصحتها، إنغمست في ملاحظة كل صغيرة وكبيرة.. ولا زلت إلى يومنا هذا وبعد أكثر من 20 سنة من إنقطاعي عن الترجمة التلفزيونة لا أستطيع مشاهدة أي عمل دون أن "أشاغب" نفسي بالتعليق على الأخطاء الفنية والإخراجية وسوء الترجمة لكل عمل.. بل وحتى يشاغبني موضوع الأهداف والأجندات المخفية في كثير من الأفلام الغربية.. حتى بات رفاقي يستاؤون من تعليقاتي لأنها تفسد عليهم متعة مشاهدة أي فيلم أو برنامج في حضوري!!

سأبدأ هنا ببعض الملاحظات الفنية التى كثيراً ما تنغص عليّ شخصياً التعايش الفعلي مع الأحداث.. فمثلاً كل أرقام الهواتف المتداولة في الأفلام الأمريكية لا بد أن تحتوي على ثلاث خمسات (555).. لا تزال خطوط الدماء على وجوه الضحايا تنساب بشكل طولي رغم أن الضحية قد يكون مستلقياً على جانبه.. وفي حال تبادل إطلاق النيران يموت العشرات يمنة ويسرة ويبقى بطل الفيلم ورئيس العصابة مثلاً حتى اللحظات الأخيرة رغم إصابتهما بعدة طلقات.. غالباً ما تصيب الرصاصة جيب القميص أو المعطف في الجانب الأيسر من الصدر.. وكثيراً نرى الدماء تفور من مكان الإصابة رغم أن المصاب يرتدي معطفا ثقيلاً والطبيعي أن تسيل الدماء تحت المعطف..لا تزال السيارات تنفجر عند التصادم رغم أنه من غير الطبيعي للسيارات أن تنفجر عند التصادم.. ولا تستمع صديقة بطل القصة أبداً إلى طلبه إياها أن تبقى في مكانها كلما أراد مباغتة الأعداء في غفلة!!

أما في البرامج البوليسية والجنائية فنجد المحقق الجنائي يكتشف بصمة إبهام واضحة المعالم في أماكن من المفروض أن تكون مليئة بالبصمات ولكافة الأصابع.. ونجد المحقق الجنائي مثلاً يرتدي قفازات لتفادي التلوث بدماء الضحية ثم يرد على هاتفه أو يخرج قلما من جيبه بالقفاز الملطخ بالدماء ولا يتلطخ هاتفه.. أو يجد أثراً لقدم أو حذاء رغم أن مكان الجريمة يعج برجال الشرطة والطوارئ والإسعاف.. أو يقفز أحدهم عبر نافذة مغلقة ويتكسر الزجاج وو يتبعثر الإطار (الخشبي) إلى أشلاء دون أن يصادف ولو مرة أن يكون الإطار من المعدن أو الألمنيوم.. وهكذا !

ثم تأتي مسألة الترجمات الخاطئة والمضحكة.. فرغم أنني لا أعتمد عليها. لكن بحكم عملي كمترجم سابق وبحكم تخصصى اللغوي لا أستطيع إغفالها.. كثيرا ما تنغص عليّ تمتعي بالأفلام والبرامج المترجمة حين تكون الترجمات غير موفقة بالمرة.. وبعض الترجمات تكون غبية وكأنها ترجمات آلية من نتاج "غوغل".. وكذلك الأخطاء المطبعية واللغوية الفظيعة كالجهل بالفرق بين الـ (ض) و(ظ) والـ (ة) و(هـ) بل وحتى بين الـ (ة) والـ (ت) .. وأحياناً بالذات مع المترجمين من بلاد الشام ومصر حيث يكتبون (ز) بدلاً من (ذ) و(ت) بدلاً من (ط) و(س) بدلاً من (ث)!! يكتبون الكلمات العربية كما ينطقونها في لهجاتهم الدارجة.. ومثل هذه الهفوات تكثر عند مقدمي الأخبار وضيوفهم رغم أن الحوار يكون باللغة العربية الفصحى.. فقناة (الحدث) تتحول إلى (حدس) وكلمة (بالذات) تصبح (بالزات).. والأدهى حين يأتينا شيخ دين "أزهري" ويذكر في حواره ودروسه الأيات القرآنية بذات الألفاظ حسب لهجته الدارجة.. رغم أنه ينطقها بشكل سليم عند التلاوة !

بعد أن كانت الأفلام الأمريكية الأقدم قليلاً تركز على جنسيات معينة كونهم من عتاة الإرهابيين والمجرمين حسب الأحداث والأوضاع في كل عصر.. وهذه تدخل باب الأجندات المخفية والحرب النفسية.. أصبحت هذه الشخصيات في أيامنا هذه من المسلمين.. لكن في السابق كان جل المجرمين العتاة من "الألمان" بعد الحرب العالمية الثانية.. ثم "الروس" أيام الحرب الباردة.. ثم "الكوبيين" بعد أزمة الصواريخ "الروسية" في "خليج الخنازير".. ثم "الكوريين الشماليين" بسبب أزمة الرؤوس النووية.. و"اللبنانيين" بعد مقتل 299 من رجال البحرية الأمريكية في "بيروت في 1983.. ثم "الصرب" بعد مجازر "البوسنة والهرسك".. وهكذا !! أما بعد أحداث 11 سبتمر وإتهام "القاعدة" و"بن لادن" فقد تحول كل من يريد الإضرار بنمط الحياة الأمريكية وحرياتهم إلى العرب والمسلمين.. وقريباً سيتحول التركيز على الدواعش.و عمليات نحر الرهائن وسبيهم للنساء وبيعهن في أسواق النخاسة!!

و يكثر في الأفلام الغربية الخلط بين شعوب الشرق الأوسط.. لا يفرقون بين الأفغان والباكستانيين والهنود السيخ والفرس والعرب.. لا يميزون بين اللغات المختلفة ولا يفرقون بين اللهجات العربية المتعددة.. جهلهم العام يوقعهم في "مطبات" مضحكة ولا يفرقون حتى بين إختلاف الملابس والملامح بين شعوب الدول العربية.. فنجد مثلاً فيلماً عن "الخليج" أو في "مصر" وكافة الشخوص من "المغرب العربي" ويرتدون الزي (القفطان) المغربي.. وكل فيلم فيه خطف للبنات يقحمون فيه عربي يرتدي "الثوب والغترة والعقال المزخرف والبشت الملون" وتكون الملابس بألوان وأشكال مضحكة.. ونجد "إيرانياً" مثل الممثل والكوميدي "أوميد جليلي" البريطاني الجنسية يمثل دور عربي مصري في فيلم "المومياء"!! وإلى يومنا هذا يصورون عرب الخليج وكأنهم يعيشون بين الجمال ويرعون الأغنام في الصحراء ويعيشون في الخيام!! ومرة أخرى يقوم بأدوارهم ممثلون من المغرب العربي بل وأحياناً حتى من المكسيكيين أو الهنود.. طبعاً لن نعرف قط رأي الجمهور "الروسي" في أداء الممثل "عمر الشريف" لدوره في فيلم "دكتور جيفاغو".. في حين نرى أن المخرج العالمي "مصطفى العقاد" نجح في توظيف الممثل الرائع "أنتوني كوين" في دور "عمر المختار" في فيلم "أسد الصحراء".. ورغم ذلك ففي فيلم "عمر المختار" أخطاء جمة ولقطات مكررة وهفوات عديدة في الإخراج والمونتاج.. لا تسعها مقالة واحدة.

ونحن في هذا العصر يشاهد أبنائنا الأفلام الأجنبية وتترسخ في أذهانهم صور نمطية خاطئة عنا نحن.. إنها عملية غسيل للدماغ ويتشرب منها الجميع ربما دون وعي لهذه الأداة الفتاكة في تشويه مبادئنا وديننا وثقافتنا عبر الشاشتين الصغيرة والكبيرة.. كلها تحت مسميات الترفيه والإبداع.. فهل أصبح عالم السينما مجرد سلاح في أيدي ثلة من المخابراتيين والماسونيين، ويطوّعونها كما يشاؤون لتدمير الأمم، وتعظيم صورة "الأمريكي المنقذ" للعالم عبر شخصيات كرتونية يتم تحويلها إلى أفلام إثارة و"أكشن"؟ "سوبرمان" و"آيرونمان" و"سبايدرمان" و"الوطواط".. وغيرهم من "خفافيش الليل" الأمريكيين ممن ينقذون العالم من أخطار قوى الظلام والدمار الشامل بفضل قواهم الخارقة!!

كم أتمنى لو لم أكن دقيقاً وناقداً هكذا.. لكنها لعنة كوني مدرساً و"تربوياً" غيوراً بطبيعة تخصصي !!

 

د. محمد العباسي - أكاديمي بحريني

 

في المثقف اليوم